الثاني. إنّه ما المراد من قوله سبحانه (و أنا أجازي به أو عليه) إذ لو كان المقصود إنّه هو الذي يجازي على الأعمال فكل عبادة كذلك و لو كان في الصوم اختصاص فما هو؟
أما السؤال الأول. فقد أجاب عنه الطريحي في مجمع البحرين فقال:
و أحسن ما قيل فيه هو ان جميع العبادات التي يتقرّب بها إلى اللّه تعالى من صلاة و غيرها قد عبد المشركون بها ما كانوا يتخذون من دون اللّه أندادا و لم يسمع ان طائفة من طوائف المشركين و أرباب النحل في الأزمنة المتقدمة عبدت إلها بالصوم و لا تقربت إليه به و لا عرف الصوم في العبادات إلّا من الشرائع فلذلك قال تعالى:
«الصوم لي و من مخصوصاتي و أنا أجزي عليه بنفسي لا أكله إلى أحد غيري من ملك مقرّب و لا غيره ...» [1].
هذا و قد ذكر المحدث البحراني في الحدائق وجوها ثلاثة و اعترض على كل واحد منها:
الأوّل. إنّ الصوم لما كان فيه من ترك الشهوات و اللذات الراجعة إلى البطن و الفرج (و هذه هي عمدة اللذات الجسمانية) و ليس كذلك في ساير العبادات و لو كان في بعضها فلا يصل إلى مرتبة الصوم. كالاحرام مثلا. فإنّه فيه ترك لذة المجامعة و ما يتعلق بها و لكن لا منع فيه عن الطعام و الأكل. فالصوم أدق العبادات و أرقاها فلذا خصّه اللّه تعالى لنفسه.
الثاني. إنّ الصوم أمر خفي لا صورة له و لا مظهر فلذا هو بعيد عن الرياء و أمثال ذلك.
الثالث. إنه لاشتماله على الجوع و اجتناب الأكل و المأكولات موجب للصفاء
[1] مجمع البحرين: مادة (جزى) ص 18 من الطبعة القديمة.