واجدة لكلتاهما، و الأقسام بالحصر العقلي منحصرة في هذه الأربعة.
فإن كانت في نفسها واجدة للمصلحة الذهنيّة المقتضية للوجوب و تعلّق الأمر بها، ثبت المطلوب.
و إن كانت واجدة للمفسدة الذاتيّة، فالأمر بها مستلزم للقبح، لأنّ الراجح فيما فيه مفسدة ذاتيّة بحكم العقل النهي عنه، فالأمر به ترجيح للمرجوح، و العقل و النقل متطابقان في استحالته على اللّه تعالى.
و إن كانت واجدة لكلتيهما، فلا يخلو إمّا المصلحة راجحة أو المفسدة راجحة أو هما متساويان، و على الأوّل يثبت المطلوب، و على الثاني يلزم ترجيح المرجوح على الراجح، و على الثالث يلزم الترجيح من غير مرجّح، و كلاهما قبيح على الممكن المحدود بحدود النقص، فضلا عن الواجب الذي لا حدّ لكماله و تماميّة ذاته.
و إن كانت خالية عنهما، يلزم من ترجيح جانب الفعل على جانب الترك الترجيح بلا مرجّح، و قد عرفت بطلانه.
و هكذا نستدلّ بالترديد على هذا الوجه في سائر الأحكام، فتبيّن من هذا البرهان العقلي أنّ الواجبات واجدة للمصلحة الكامنة في ذاتها، و صار كمالها إلى حدّ اقتضى وجوبها، و المحرّمات واجدة للمفسدة الكاملة الكامنة في ذاتها، و المندوبات واجدة بكلتيهما، لكن جهة المصلحة فيها راجحة على جهة المفسدة، و المكروهات بالعكس، و المباحات إمّا خالية عنهما و إمّا واجدة لهما لكن على وجه التساوي، و ضرورة المذهب الطائفة المحقّة حكمت برجوع مصالح التكاليف إلى العباد، لا إليه تعالى شأنه عمّا يقولون علوّا كبيرا، و بأنّ لتكاليفه جهة مولويّة تستلزم العقاب بالمخالفة.
فتبيّن أيضا أن لتكاليفه تعالى جهتين، إحداهما من قبيل التكاليف الصادرة عن الموالي بالنسبة إلى العبيد، و الثانية من قبيل التكاليف الصادرة عن الأطبّاء بالنسبة إلى المرضى.