بين الكاتب
بالقوّة واللاكاتب بالفعل ، ولا فرق في ذلك بين سبق جهة الوجوب على جهة الاستحباب
أو سبق جهة الاستحباب على جهة الوجوب ، غير أنّ الوجوب على الأوّل دافع لفعليّة
الاستحباب وعلى الثاني رافع لها.
وإن اريد به
الاستحباب الفعلي ، ففيه : المنع من أصل الاجتماع لمكان المضادّة المذكورة ، ولا
يجدي فيه جهتا الغيريّة والنفسيّة لأنّهما جهتان تعليليّتان فلا يتعدّد بتعدّدهما
الموضوع ، وكون غسل الجنابة ونحوه واحدا بالنوع لا يصحّح إجتماعهما فيه ، لأنّ
الواحد بالنوع إنّما يجوز توارد المتضادّين أو المتناقضين عليه في صورتين :
إحداهما
: ما تحقّق فيه
جهتان تقييديّتان ليتعدّد بهما المتعلّق كما في السجود لله وللصنم ، فإنّ كونه لله
وكونه للصنم جهتان تقييديّتان لكونهما من الموضوع وبهذا الاعتبار يجب الأوّل ويحرم
الثاني من غير محذور.
والاخرى
: ما كان توارد
الحكمين عليه على وجه التكرار ، بأن يجب في المرّة الاولى ويستحبّ في المرّة
الثانية كما في تثنية غسلات الوضوء ، فإنّها مستحبّة مع وجوب الغسلة الاولى ، وغسل
الوجه مثلا واحد بالنوع وقد توارد عليه الوجوب والندب على وجه التكرار ، ومعناه
أنّه في المرّة الاولى واجب وفي الثانية مستحبّ ، وما نحن فيه لا يندرج في شيء من
الصورتين ، إذ لا تكرار في غسل الجنابة مع عدم تحقّق جهتين تقييديّتين فيه.
وبالتأمّل فيما
ذكرناه يظهر الحال في عكس المسألة وهو مسألة اجتماع الوجوب الغيري مع الاستحباب
النفسي كما توهّم ، مثل غسل الجنابة للفريضة على القول بعدم وجوبه لنفسه ، ونحوه
الوضوء لها ولغيرها من مشروط به.
فالحقّ فيه أيضا
امتناع الاجتماع ، بل هو إمّا واجب لا استحباب معه فعلا كما لو كان في وقت الفريضة
وغيرها من مشروط به ، أو مستحبّ لا وجوب معه كما لو كان قبل الوقت.
نعم يجوز وقوعه
لغايات كثيرة كلّها مقتضية للاستحباب ، ولا يبعد القول بالصحّة لو وقع حال الوجوب
لغير الغاية المقتضية للوجوب بقصد تلك الغاية وإن لم تكن مقتضية بالفعل بل بقصد
الاستحباب وإن لم يكن ثابتا بالفعل ، بناء على ما تقدّم من أنّ قصد الاستحباب يكفي
فيه وجود المقتضي للاستحباب ولا يفتقر إلى ثبوته فعلا لوجود مانع من الاقتضاء ،
كما أنّ الوجوب أيضا كذلك بناء على وجوب قصد الوجه في صحّة العبادة.
ويتّضح هذه
المقالة بملاحظة ما حقّقناه في بحث المقدّمة من كفاية وجود القضيّة