ألا ربّما ضاق الفضاء بأهله
و أمكن من بين الأسنّة مخرج
قصيدته في ابن عباد وزير المأمون حين أبعده
قال الأصبهانيّ: و هذا الشعر لمحمد بن وهيب يقوله في ابن عبّاد وزير المأمون، و كان له صديقا، فلما ولي الوزارة اطّرحه لانقطاعه إلى الحسن بن سهل فقال فيه قصيدة أوّلها:
تكلّم بالوحي البنان المخضّب
و للّه شكوى معجم كيف يعرب؟
أ إيماء أطراف البنان و وجهها
أباتا له كيف الضّمير المغيّب؟
و قد كان حسن الظّنّ أنجب مرّة
فأحمد عقبى أمره المتعقّب
فلما تدبّرت الظّنون [1] مراقبا
تقلّب حاليها إذا هي تكذب
بدأت بإحسان فلما شكرته
تنكّرت لي حتى كأنّي مذنب
و كلّ فتى يلقي الخطوب بعزمه
له مذهب عمّن له عنه مذهب
/ و هل يصرع الحبّ الكريم و قلبه
عليم بما يأتي و ما يتجنّب
تأنّيت حتى أوضح العلم أنّني
مع الدهر يوما مصعد و مصوّب
و ألحقت أعجاز الأمور صدورها
و قوّمها غمز القداح المقلّب
و أيقنت أن اليأس للعرض صائن
و أن سوف أغضي للقذي حين أرغب
أ غادرتني بين الظّنون مميّزا
شواكل أمر بينهن مجرّب
يقرّبني من كنت أصفيك دونه
بودّي و تنأى بي فلا أتقرّب
فللّه حظّي منك كيف أضاعه
سلوّك عنّي و الأمور تقلب
أبعدك أستسقي بوارق مزنة
و إن جاد هطّل من المزن هيدب [2]
إذا ما رأيت البرق أغضيت دونه
و قلت إذا ما لاح: ذا البرق خلّب
و إن سنحت لي فرصة لم أسامها
و أعرضت عنها خوف ما أترقّب
تأدّبت عن حسن الرّجاء فلن أرى
أعود له إن الزّمان [3] مؤدّب
و قال له أيضا:
هل الهمّ إلا كربة تتفرّج
لها معقب تحدى إليه و تزعج [4]
و ما الدّهر إلا عائد مثل سالف
و ما العيش إلا جدّة ثم تنهج [5]
و كيف أشيم البرق و البرق خلّب
و يطمعني ريعانه المتبلّج [6]
/ و كيف أديم الصبر لابي ضراعة
و لا الرّزق محظور و لا أنا محرج؟
[1] ف «الأمور».
[2] الهيدب: السحاب المتدلى الّذي يدنو من الأرض و يرى كأنه خيوط عند انصبابه.
[3] مي، مم «الرجاء».
[4] مي «هل الدهر» بدل «هل الهم».
[5] المختار:
« ما الدهر إلا غابر»
. الجدّة: الطريقة. و تنهج: تبلى.
[6] المختار:
« مطمعني إنعامه المتبلج»
. و المبتلج: المنير.