وضع المرآة في غلافها، و
قال للجارية: انصرفي، فقد حرّم علينا مسلم الطّيب. فلما فرغت من القصيدة قال لي:
يا مسلم، أ تدري ما الّذي حداني إلى أن وجهت إليك؟ فقلت: لا و اللّه ما أدري. قال:
كنت عند الرّشيد منذ ليال أغمّز [1] رجليه، إذ قال لي: يا يزيد، من القائل فيك:
فقلت: لا و اللّه ما أدري.
فقال لي الرّشيد: يا سبحان اللّه! أنت مقيم على أعرابيّتك، يقال فيك مثل هذا
الشّعر و لا تدري من قائله! فسألت عن قائله، فأخبرت أنّك أنت هو، فقم حتى أدخلك
على أمير المؤمنين.
يدخل على الرشيد و يمدحه
فيأمر له بجائزة
ثم قام فدخل على الرّشيد،
فما علمت حتى خرج عليّ الإذن فأذن لي، فدخلت على الرّشيد، فأنشدته ما لي فيه من
الشّعر، فأمر لي بمائتي ألف درهم، فلما انصرفت إلى يزيد أمر لي بمائة و تسعين
ألفا، و قال: لا يجوز لي أن أعطيك مثل ما أعطاك أمير المؤمنين. و أقطعني إقطاعات
تبلغ غلّتها مائتي ألف درهم.
يهجو يزيد فيدعوه الرشيد
و يحذره
قال مسلم: ثم أفضت بي
الأمور بعد ذلك إلى أن أغضبني فهجوته، فشكاني إلى الرّشيد، فدعاني و قال:
أ تبيعني عرض يزيد؟ فقلت:
نعم يا أمير المؤمنين. فقال لي: بكم؟ فقلت: برغيف خبز. فغضب حتى خفته على نفسي، و
قال: قد كنت على أن أشتريه منك بمال جسيم، و لست أفعل و لا كرامة، فقد علمت إحسانه
إليك، و أنا نفيّ من أبي، و و اللّه ثمّ و اللّه لئن بلغني أنّك هجوته لأنزعنّ
لسانك من بين فكّيك، فأمسكت عنه بعد ذلك، و ما ذكرته بخير و لا شرّ.
البيدق يصله بيزيد بن
مزيد و يسمعه شعره فيأمر له بجائزة
أخبرني الحسن بن علي، قال:
حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه اليعقوبيّ، قال:
/ حدّثني
البيدق [4] الرّاوية- و كان من أهل نصيبين- قال: دخلت دار يزيد بن مزيد يوما و
فيها الخلق، و إذا فتى شابّ جالس في أفناء النّاس، و لم يكن يزيد عرفه بعد، و إذا
هو مسلم بن الوليد، فقال لي: ما في نفسي أن أقول شعرا أبدا، فقلت: و لم؟ قال:
لأنّي قد مدحت هذا الرّجل بشعر ما مدح بمثله قطّ، و لست أجد من يوصّله، فقلت له:
أنشدني بعضه، فأنشدني منه: