و أجود بك، فلما جاءت
النّوبة إليّ أخذت عودا ممّن كان إلى جنبي و قمت قائما و استأذنت في الغناء، فضحك
الرشيد و قال: غنّ جالسا، فجلست و غنّيت لحني الأوّل/ فطرب و استعاده ثلاث مرّات،
و شرب عليه ثلاثة أنصاف، ثم غنّيت الثاني، فكانت هذه حاله، و سكر، فدعا بمسرور
فقال له: احمل السّاعة مع عبد اللّه عشرة آلاف دينار و ثلاثين ثوبا من فاخر ثيابي،
و عيبة مملوءة طيبا، فحمل ذلك أجمع معي.
المعتصم يأمره بالتكفير
عن يمينه و الغناء لأصحابه جميعا
قال عبد اللّه: و لم أزل
كلّما أراد وليّ عهد أن يعلم من الخليفة بعد الخليفة الوالي أ هو أم غيره دعاني
فأمرني بأن أغنّي، فأعرّفه بيميني، فيستأذن الخليفة في ذلك، فإن أذن لي في الغناء
عنده عرف أنه وليّ عهد، و إلّا عرف أنه غيره حتى كان آخرهم الواثق، فدعاني في
أيّام المعتصم و سأله أن يأذن لي في الغناء، فأذن لي، ثم دعاني من الغد فقال: ما
كان غناؤك إلا سببا لظهور سرّي و سرّ الخلفاء قبلي، و لقد همّمت أن آمر بضرب
رقبتك. لا يبلغني أنّك امتنعت من الغناء عند أحد، فو اللّه لئن بلغني لأقتلنّك،
فأعتق من كنت تملكه يوم حلفت، و طلق من كان يوجد عندك من الحرائر، و استبدل بهنّ و
عليّ العوض من ذلك، و أرحنا من يمينك هذه المشئومة، فقمت و أنا لا أعقل خوفا منه،
فأعتقت جميع من كان بقي عندي من مماليكي، الذين حلفت يومئذ و هم في ملكي، و تصدّقت
بجملة، و استفتيت في يميني أبا يوسف القاضي حتى خرجت منها، و غنّيت بعد ذلك إخواني
جميعا حتى اشتهر أمري، و بلغ المعتصم خبري، فتخلّصت منه، ثم غضب عليّ الواثق لشيء
أنكره، و ولي الخلافة و هو ساخط عليّ فكتبت إليه:
دخلت على العبّاس بن الفضل
بن الربيع ذات يوم و هو مختلط مغتاظ و ابنه عبد اللّه عنده، فقلت له: ما لك أمتع
اللّه بك؟ قال: لا يفلح و اللّه ابني عبد اللّه أبدا. فظننته قد جنى جناية، و جعلت
أعتذر إليه له، فقال: ذنبه أعظم من ذلك و أشنع، فقلت: و ما ذنبه؟ قال: جاءني بعض
غلماني فحدّثني أنه رآه بقطربّل يشرب نبيذ الدّاذيّ [2] بغير غناء، فهل هذا فعل من
يفلح؟ فقلت له و أنا أضحك: سهّلت عليّ القصّة، قال: لا تقل ذاك فإنّ هذا من ضعة
النّفس و سقوط الهمّة، فكنت إذا رأيت عبد اللّه بعد ذلك في جملة المغنّين، و شاهدت
تبذّله في هذه الحال و انخفاضه عن مراتب أهله تذكّرت قول أبيه فيه.
صنع غناء في شعر لأبي
العتاهية و غناه
قال: و سمعته يوما يغني بصنعته
في شعر أبي العتاهية: