responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 19  صفحة : 148

عمّتي و جواري جدّي و يأخذن أيضا مني ما ليس عندهن من غناء دارنا، فسمعنني ألقي هذين الصّوتين على الجارية، فأخذنهما منّي و سألن الجارية عنهما، فأخبرتهن أنّهما من صنعتي، فسألنها أن تصحّحهما لهنّ، ففعلت فأخذنهما عنها، ثم اشتهر حتى غنّي الرّشيد بهما يوما، فاستظرفهما و سأل إسحاق: هل تعرفهما؟ فقال: لا، و إنّهما لمن حسن الصّنعة و جيّدها و متقنها، ثم سأل الجارية عنهما فتوقّفت خوفا من عمّتي و حذرا أن يبلغ جدّي أنها ذكرتني، فانتهرها الرشيد، فأخبرته بالقصة.

جدّه ينفي معرفته بأنه يغني‌

فوجّه من وقته فدعا بجدّي، فلما أحضره قال له: يا فضل، يكون لك ابن يغنّي ثم يبلغ في الغناء المبلغ الّذي يمكنه معه أن يصنع صوتين يستحسنهما إسحاق و سائر المغنّين و يتداولهما جواري القيان و لا تعلمني بذلك؟ كأنك رفعت قدره عن خدمتي في هذا الشأن! فقال له جدّي: و حقّ ولائك يا أمير المؤمنين و نعمتك، و إلّا فأنا نفيّ منهما بري‌ء من بيعتك [1] و عليّ العهد و الميثاق و العتق و الطّلاق، إن كنت علمت بشي‌ء من هذا قطّ إلا منك السّاعة، فمن هذا من ولدي؟ قال: عبد اللّه بن العبّاس هو، فأحضرنيه السّاعة. فجاء جدّي و هو يكاد أن ينشقّ غيظا، فدعاني، فلمّا خرجت إليه شتمني و قال: يا كلب، بلغ من أمرك و مقدارك أن تجسر على أن تتعلّم الغناء بغير إذني، ثم زاد ذلك حتى صنعت، و لم تقنع بهذا حتى ألقيت صنعتك على الجواري في داري، ثم تجاوزتهن إلى جواري الحارث بن بُسخُنَّر، فاشتهرت و بلغ أمرك أمير المؤمنين، فتنكّر لي و لا مني و فضحت آباءك/ في قبورهم، و سقطت الأبد إلا من المغنّين و طبقة الخنياكرين [2]. فبكيت غمّا بما جرى، و علمت أنه قد صدق، فرحمني و ضمّني إليه و قال: قد صارت الآن مصيبتي في أبيك مصيبتين: إحداهما به و قد مضى و فات، و الأخرى بك و هي موصولة بحياتي، و مصيبة باقية العار عليّ و على أهلي بعدي، و بكى و قال: عزّ عليّ يا بنيّ أن أراك أبدا ما بقيت على غير ما أحبّ، و ليست لي في هذا الأمر حيلة، لأنّه أمر قد خرج عن يدي، ثم قال: جئني بعود حتى أسمعك و أنظر كيف أنت، فإن كنت تصلح للخدمة في هذه الفضيحة، و إلا جئته بك منفردا و عرّفته خبرك و استعفيته لك، فأتيته بعود و غنّيته غناء قديما، فقال: لا، بل غنّي صوتيك اللذين صنعتهما، فغنّيته إيّاهما فاستحسنهما و بكى، ثم قال: بطلت و اللّه يا بنيّ و خاب أملي فيك، فوا حزني عليك و على أبيك! فقلت له: يا سيّدي، ليتني متّ من قبل ما أنكرته أو خرست، و ما لي حيلة و لكنّي و حياتك يا سيّدي، و إلا فعليّ عهد اللّه و ميثاقه و العتق و الطّلاق و كلّ يمين يحلف بها حالف لازمة لي، لا غنّيت أبدا إلا لخليفة أو وليّ عهد، فقال: قد أحسنت فيما نبّهت [3] عليه من هذا.

غنى أمام الرشيد فطرب و كافأه و كساه‌

ثم ركب و أمرني، فأحضرت فوقفت بين يدي الرّشيد و أنا أرعد فاستدناني حتى صرت أقرب الجماعة إليه و مازحني و أقبل عليّ و سكّن منّي، و أمر جدّي بالانصراف و أمر الجماعة فحدّثوني [4]، و سقيت أقداحا و غنى المغنّون جميعا، فأومأ إليّ إسحاق الموصليّ بعينه/ أن ابدأ فغنّ إذا بلغت النّوبة إليك قبل أن تؤمر بذلك، ليكون ذلك أصلح‌


[1] ف «بري‌ء من تبعتك».

[2] خنياگر: كلمة فارسية بمعنى المطرب و الموسيقيّ.

[3] ف «تنبهت عليه من هذا».

[4] ف، المختار «و أومأ إلى الجماعة فخدموني».

اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 19  صفحة : 148
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست