اسم الکتاب : الأربعين في أصول الدين المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 92
من هذين القسمين متميز عن
الآخر فى نفسه و حقيقته. و لذلك كان القادر المختار لا يمكنه ايجاد الممتنعات و
يمكنه ايجاد الممكنات. فلولا امتياز الممكن عن الممتنع فى نفسه، و الا لما صح ذلك.
لا يقال: هذه الأمور، و ان
كانت معدومة فى الخارج، الا أنها موجودة فى الذهن، فلهذا صح وقوع الامتياز فيها.
لأنا نقول: انكم اما أن تقولوا هذه المعلومات[6] موجودة فى الذهن، أو تقولوا:
العلم بها موجود فى الذهن.
و الأول باطل. لأنا انما نعلم الشمس و القمر. فلو كانت هذه المعلومات موجودة فى
الذهن، لزم فيمن تصور شموسا كثيرة، و أقمارا كثيرة، و بحرا من زئبق، و جبلا من
زبرجد:
أن توجد فى ذهنه هذه
الأشياء. و القول بفساده معلوم بالضرورة.
و أما الثانى و هو أن
الحاضر فى الذهن هو العلم بهذه الأشياء. فهذا مسلم. الا أن بحثنا عن المعلوم، لا
عن العلم. فهذه المعلومات لما لم تكن موجودة فى الذهن، علمنا أنها فى أنفسها و
حقائقها متميزة، سواء وجدت فى الذهن أو لم توجد. و ذلك هو المطلوب.
فثبت بهذه البراهين
الأربعة: تميز بعض المعدومات، عن البعض، حال كونها معدومة.
و اذا ثبت هذا فنقول:
امتياز أحد الأمرين عن الآخر، يتوقف على كون كل واحد منهما فى نفسه حقيقة معينة، و
ماهية معينة.
فان تميز البعض عن البعض:
حكم من أحكام تلك الحقائق، و صفة من أوصافها. و ثبوت الصفة و الحكم بدون تقرير
الموصوف: محال.
فثبت: أن المعدومات متميزة
متقررة، و ثبت أن المتميز لا يتحقق الا عند كون الحقائق و الماهيات متقررة. و هذا
يوجب القطع بكون المعدومات ذوات و ماهيات و حقائق. و ذلك هو المطلوب.