اسم الکتاب : الأربعين في أصول الدين المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 180
اقصى ما فى الباب: أن يقال: لا ندرى لم حدث الميل الى هذا الرغيف، و لم يحدث الى ذلك
الرغيف الآخر؟ لأنا نقول: سبب حدوث الميل فى قلوبنا ليس لميل آخر فى القلب، و
الالزام التسلسل، بل الميول و الارادات تنتهى الى ميل و إرادة تحدث فى القلب، اما
بخلق اللّه تعالى، أو بسبب من الأسباب السماوية. و حينئذ يكون هذا الاشكال زائلا.
و الّذي يحقق هذا
الكلام: أن العطشان اذا خير بين القدحين، فانه ما لم يخص أحد القدحين بمد
اليد لأخذه، فانه لا يمكنه أن يشرب ذلك الماء. و ما لم يمل قلبه الى أخذ ذلك القدح
فانه لا يمد[1] يده إليه. فذلك الميل الخاص، و
الإرادة الخاصة، مرجحة لأحد الطرفين على الآخر. فثبت: أن فى هذه الصورة لم يحصل
الرجحان الا لمرجح، و أما أنه لم حدث الميل الى هذا و لم يحدث الى ذلك؟ فذلك مستند
الى الأسباب الفلكية.
أجاب المتكلمون عن
السؤال الأول:
بأنا لا نقول: ان رجحان
أحد طرفى الممكن على الآخر، لا يحوج الى المرجح فى جميع المواضع، بل نقول: الشيء
اذا وجد بعد عدمه فهذا الحدوث و هذا الامكان هو المحوج الى المقتضى. فأما ترجيح الفعل
على الترك فى حق القادر، فذلك لا يحوج الى المؤثر[2].
و الّذي يدل عليه: أن الفرق بين القدر المختار، و بين العلة الموجبة، أمر معلوم
بالضرورة. فان كل أحد يفرق بالضرورة بين كون الانسان مختار فى فعله و قوله و قيامه
و قعوده، و بين كون