اسم الکتاب : الأربعين في أصول الدين المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 170
و أما «أبو البركات
البغدادى»- و هو من أكابر الفلاسفة المتأخرين- فانه صرح فى كتابه «المعتبر» باثبات
ارادات محدثة، و علوم محدثة فى ذات اللّه تعالى. و زعم: أنه لا يتصور الاعتراف
بكونه تعالى إلها لهذا العالم، الا مع هذا المذهب. ثم قال: «الاجلال من هذا الجلال
واجب، و التنزيه من هذا لتنزيه لازم» فاذا حصل الوقوف على هذا التفصيل، ظهر أن هذا
المذهب قال به أكثر فرق العقلاء، و ان كانوا ينكرونه باللسان.
و اعلم: أن الصفات على
ثلاثة أقسام: أحدها: صفات حقيقية عارية عن الاضافات.
كالسواد و البياض. و ثانيها: الصفات الحقيقية التى
تلزمها الاضافات. كالعلم و القدرة. و ذلك لأن العلم صفة حقيقية تلزمها اضافة
مخصوصة الى المعلوم، و كذا القدرة صفة حقيقية، و لها تعلق بالمقدور. و ذلك التعلق
اضافة مخصوصة بين القدرة و بين المقدور. و ثالثها: الاضافات المحضة و النسب المحضة. مثل كون الشيء قبل غيره و بعد
غيره. و مثل كون الشيء يمينا لغيره أو يسارا له. فانك اذا جلست على يمين انسان ثم
قام ذلك الانسان و جلس فى الجانب الآخر منك، فقد كنت يمينا له ثم صرت الآن يسارا
له. فههنا لم يقع التغير فى ذاتك، و لا فى وصفة حقيقية من صفاتك، بل فى محض
الاضافات.
اذا عرفت هذا، فنقول: أما
وقوع التغير فى الاضافات، فلا خلاص عنه. و أما وقوع التغير فى الصفات الحقيقية،
فالكرامية يثبتونه، و سائر الطوائف ينكرونه. فظهر الفرق فى هذا الباب بين مذهب
«الكرامية» و مذهب غيرهم.
و الّذي يدل على فساد
قول «الكرامية» وجوه:
اسم الکتاب : الأربعين في أصول الدين المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 170