اسم الکتاب : محاضرات الأدباء و محاورات الشعراء و البلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 189
فيصير ذلك سبّة علينا. فقال أبوها إنا نخبئ له خبيئة، فإن أخبرنا بها استدللنا على علمه و استفتيناه، و إلا تركناه. فأخذوا حبة حنطة و جعلوها في إجليل [1] فرس، فلما انتهوا إليه أنزلهم و أكرمهم، فقالوا: قد جئناك في أمر و قد خبأنا لك خبيئة نختبرك فانظر ما هو؟ فقال: تمرة في كمرة. فقالوا: نريد أبين من هذا. فقال: حبّة في إجليل مهر. فقالوا:
صدقت أنظر في أمر هؤلاء النسوة فجعل يدنو من إحداهنّ، و يقول: ليست هذه حتى دنا من هند فضربها على كتفها و قال: و اللّه ما أنت بزانية و ستلدين ملكا اسمه معاوية. فقام إليها الفاكه و قبّل رأسها فقالت: أبعد عنّي فو اللّه لأجتهدنّ أن يكون من غيرك هذا الملك، فأبت حتى طلّقها و تزوج بها أبو سفيان.
(19) و ممّا جاء في تأويل الرؤيا
ما يدلّ على صحّة الرؤيا
قال النبي صلى اللّه عليه و سلم: رؤيا المؤمن جزء من ستة و أربعين جزأ من النبوّة.
و روي ذهبت النبوّة فلا نبوّة، و بقيت المبشرات، و قيل: في قول اللّه تعالى: لَهُمُ اَلْبُشْرىََ فِي اَلْحَيََاةِ اَلدُّنْيََا وَ فِي اَلْآخِرَةِ[2] إنها الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له.
و قيل: إذا أراد اللّه بعبد خيرا عاتبه في النوم. و يدلّ على صحة ذلك ما حكى اللّه تعالى عن يوسف عليه السلام في قوله تعالى: رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ اَلشَّمْسَ وَ اَلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سََاجِدِينَ[3] ، و ما حكى عن رؤيا الرجلين و رؤيا الملك.
و قال صلى اللّه عليه و سلم إن في الهواء ملكا موكلا بالرؤيا، فلا يمرّ بأحد خير و لا شرّ إلا أريه في المنام حفظ من حفظ و نسي من نسي.
و قال النبي صلى اللّه عليه و سلم: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثّل بي، و روي أنه صلى اللّه عليه و سلم قال: الرؤيا ثلاثة: رؤيا هي بشرى من اللّه تعالى، و رؤيا تحذير من الشيطان، و رؤيا يحدّث الإنسان بها نفسه فيراها في المنام.
العارف بتأويل الرؤيا
كان ذلك من علم يوسف صلى اللّه عليه و سلم و قد وصفه اللّه تعالى في قوله تعالى: وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ اَلْأَحََادِيثِ[4] .