قالوا باصابة الجميع للواقع إذا كان ذلك فيما لا نص فيه و كان حكم كل واحد
منهم على وفق اجتهاده (أي الاجتهاد بالمعنى الخاص) نظرا إلى اعتقادهم بإمكان خلو
الواقعة في هذه الموارد من الحكم.
و هذا يعنى أنّ الفراغ التشريعي غير موجود في مكتب أهل البيت عليهم السّلام
أبدا، و أنّ أحكام الشرع و قوانينه كافلة بجميع الامور التي محل حاجة الإنسان في
حياته، لا يشذ منها شاذ.
6- الإمام عليه السّلام حافظ للشرع، و قد صرّح علماء الكلام بذلك عند قولهم
بوجوب نصب الإمام عليه السّلام و لزوم النص عليه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و
أنّه لولاه لاندرست آثار النبوة، و استدلّوا أيضا بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه
و آله لما اشتغل في برهة طويلة عن نبوّته بالغزوات، و لم تساعده الظروف على ابلاغ
جميع أحكام الإسلام مع ثبوتها بقي ابلاغها على عاتق وارث علومه، و لم يستدل أحد
بأن الأحكام كانت ناقصة فوجب على الإمام عليه السّلام تكميلها، هذا هو المعروف
المسلم بين الأصحاب، كما ورد في نهج البلاغة عن مولانا امير المؤمنين عليه
السّلام: «اللّهم بلى لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجة، إمّا ظاهرا مشهورا، أو
خائفا مغمورا، لئلا تبطل حجج اللّه و بيناته، ... يحفظ اللّه بهم حججه و بيناته،
حتى يودعوها نظرائهم، و يزرعوها في قلوب أشباههم» [1].
7- ما دلّ على أنّ دين اللّه لا يصاب بالعقول، من طريق العقل و النقل، أمّا
الأوّل فهو ما استدل به كثير من العلماء على أنّ رداء التقنين لا يليق إلّا
باللّه، لأنّه العالم بحاجات الناس، معنوية و مادية، لأنّه هو خالقه، و هو العالم
بسرائرهم، و ما كان من امورهم و ما يكون، و لا يعلم ذلك غيره، فلا يليق التشريع
إلّا به، بل لا يقدر عليه غيره، و لذا نرى القوانين البشرية لا تزال تتغير يوما
بعد يوم، لعدم نيلهم بما هو الصالح و الأصلح، فهم يخبطون خبط عشواء، يسلكون طريقا
مظلما، و يلجون بحرا عميقا، من دون أن يكونوا أهلا لذلك، بل هذا من أهم الدلائل
على وجوب ارسال الرسل و انزال الكتب.