المقام، فلو حرم الناس من لقائه عليه السّلام و تصرفه فيهم، لم يمنع ذلك من
صرف هذه الأموال العظيمة في مصارفها إن كانت الحكومة الإسلامية الحقيقية قائمة، و
إلّا ففيما يمكن من مصارفها من نشر العلم و تبليغ الإسلام و الحوزات العلمية و حفظ
ضعفاء الشيعة، و تكميل سهم الأصناف، و غير ذلك من أشباهه، و لا يمكن تعطيل جميع
ذلك في غيبته.
فالمراد من صرفه في ما يحرز به رضاه هو ذلك، فانّ رضاه يتعلق بهذه الامور و لو
كان هو (أرواحنا فداه) حاضرا شاهدا صرفها فيما ذكر قطعا.
و المتكفل لهذا الصرف هو الفقيه الجامع للشرائط.
لا لأنّه ابصر بمصارفه فقط، لما عرفت أن مجرّد ابصريته غير كاف في إثبات
المراد.
و لا لأنّه ولي الغائب فانّ ذلك فرع كونها أموالا شخصية.
و لا لأنّه مجهول المالك، لأنّ عدم القدرة على تسليم المال لمالكه مع كونه
معلوما لا يجعله بحكم مجهول المالك، نظرا إلى اتحاد الملاك، و هو عدم إمكان الوصول
إليه، فان هذا الاحتمال ضعيف جدّا لا يدل عليه أدلة حكم «مجهول المالك».
بل لأمرين آخرين: أحدهما: أدلة الولاية العامة الآتية إن شاء اللّه، فانّ
القدر المسلم منها هو هذه الامور و أشباهه.
ثانيهما: اصالة اشتغال الذمّة و عدم اليقين بالبراءة بدونه، و لا اطلاق هنا
يدل على البراءة و جواز صرف المالك بنفسه، و إن شئت قلت: القدر المتيقن من رضاه
ذلك، و دعوى العلم برضاه و لو بدون ذلك مشكل جدّا لا يجترى عليه الخبير.
و من هنا يظهر الإشكال فيما ذكره في حدائق حيث قال- معترضا على العلّامة
المجلسي قدّس سرّه فيما عرفت من كلامه من زاد المعاد- «أنّا لم نقف له (لدفعه إلى
الفقيه) على دليل، و غاية ما يستفاد من الأخبار نيابته بالنسبة إلى الترافع إليه،
و الأخذ بحكمه و فتاواه، و أمّا دفع الأموال إليه فلم أقف له على دليل لا عموما و
لا خصوصا، و قياسه على النواب الذين ينوبونهم ... لا دليل عليه» [1].