اختلال النظام، لعدم استعداد جميعهم لذلك، حتى أنا نرى في بعض الحوزات العلمية
اناسا يدرسون أكثر من عشرين سنة لا يقدرون على الاجتهاد و لو في مسألة واحدة مهمّة
فقهية، فكيف بغيرهم، و الحق أنّ الاجتهاد أشد من طول الجهاد كما أشار إليه شيخنا
الأعظم الأنصاري قدّس سرّه في بعض كلماته.
و هل يقدر جميع الناس إذا مرضوا بأمراض مختلفة أن يراجعوا بأنفسهم الكتب
الطبية و يعملون بها؟ و كذا إذا أرادوا بناء دار أو مدرسة أو سوق أو غيرها يطالعون
كتب الهندسة و يستغنون بها عن مراجعة أهل الخبرة، و هذا أمر واضح ظاهر.
و أمّا سيرة أهل الشرع: فقد استقرت من زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله على
رجوع الناس في المسائل الشرعية إلى فقهاء الامة فكان صلّى اللّه عليه و آله إذا
فتح بلدا أرسل إليه أميرا و قاضيا فالأمير لنظم البلد، و القاضي للفتوى القضاء، و لم
يكن القضاء في تلك الأيّام أمرا مستقلا عن الافتاء، فإذا جهلوا بالحكم سألوه عنه،
و إذا اختلفوا و تنازعوا في الحقوق رجعوا إليه للقضاء بينهم.
و قد كان بعضهم جامعا بين مقام الامارة و الفتوى و إن كان هذا قليلا بينهم، و
من هنا يتّضح حال مقبولة عمر بن حنظلة و أنّه لا عجب لو كان صدره في القضاء و ذيله
في الافتاء.
ثم أنّه لما اتسع نطاق الفقه و العلم انفصل مقام القضاء عن الافتاء، فقد كان
هناك فقهاء عارفون بالأحكام يراجعهم الناس في كل بلد و إن لم يكونوا من القضاة فقد
قال الصادق عليه السّلام- كما في الحديث- لبعض أصحابه: أحب أن تجلس في مسجد
المدينة و تفتي الناس.
نعم الاجتهاد في تلك الأعصار كان بسيطا جدّا بالنسبة إلى عصرنا حيث يكفيه
معرفة اللغة و معرفة الحديث و الرواية و حكم التعارض بين الأحاديث و شبه ذلك.
و ما قد يتوهّم من أن الاجتهاد و الاستنباط لم يكن في تلك الأيّام بل كانوا
يكتفون بنقل الأحاديث المأثورة باطل جدّا، لأنّ الأحاديث قد كانت متعارضة، و كلمات
أهل اللغة في تفسير بعض الآيات كانت متضاربة، إلى غير ذلك ممّا يحتاج إليه في
الاحاطة بمسائل الاصول و الفقه و اللغة و غيرها و من ينكره إنّما ينكره باللسان و قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ.