الصبي عن جميع تصرفاته المالية، و عن استقلاله في أمواله من دون فرق بين أرباب
الديانات و غيرها و بين القديم و الحديث إلى يومنا هذا، فانّهم لا يزالون يعتبرون
حدّا معينا من السّن القانوني و إن اختلف حدّه بين المجتمعات المختلفة. و الشارع
المقدس أمضى هذه الطريقة إجمالا، و لكنه جعل حدّا خاصا لسنّ البلوغ ذكره الفقهاء
رضوان اللّه عليهم في كتاب الحجر.
و ممّا يؤكد هذا المعنى أنّه لم يسأل في الأخبار المختلفة الواردة في هذا
الباب عن هذا الحكم، و إنّما وقع السؤال عن حدّه، و ذلك يدلّ على كون أصل اعتبار
السنّ القانوني من الواضحات عند الروايات أيضا، فتدبّر جيدا.
و يدلّ عليه، مضافا إلى ما ذكر، قوله تعالى: وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ
فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ[1].
و ظاهرها اعتبار أمرين: بلوغ حدّ النكاح بالاحتلام و تكوّن المني، و ايناس
الرشد.
و الظاهر أنّ كلّا منهما معتبر في هذا الحكم، و له موضوعية، لا أنّ بلوغ
النكاح طريق للرشد، حتى يقال بكفايته و لو حصل قبل البلوغ كما توهمه بعض الشراح
للمكاسب.
و قد يقال: إن الآية على خلاف المطلوب أدل، لأنّ ظاهرها وقوع الابتلاء قبل
البلوغ و هذا لا يكون إلّا بتصديه للبيع و الشراء مستقلا.
و فيه: أولا: إنّ الابتلاء لا يكون بهذا، بل يمكن اختباره بمقدمات البيع و
يمكن أن يكون بنفسه تحت اشراف الولي من دون استقلاله، قال في كنز العرفان: «اختلف
في معني ابتلائهم، قال أبو حنيفة: هو أن يدفع إليه ما يتصرف فيه، و قال أصحابنا و
الشافعي و مالك:
هو تتبع أحواله في ضبط أمواله و حسن تصرفه بأن يكل إليه مقدمات البيع» [2].
و يظهر من رواية عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّ المراد القدرة على حفظ
الأموال فقد سئل عنه عن قول اللّه عز و جل:
فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ قال عليه السّلام: