اسم الکتاب : منية المريد المؤلف : الشهيد الثاني الجزء : 1 صفحة : 143
و لو فكر الإنسان في نفسه و فتش عن حقيقة عمله لوجد الإخلاص
فيه قليلا و شوائب الفساد إليه متوجهة و القواطع عليه متراكمة سيما المتصف بالعلم
و طالبه فإن الباعث الأكثري سيما في الابتداء لباغي العلم طلب الجاه و المال و
الشهرة و انتشار الصيت و لذة الاستيلاء و الفرح بالاستتباع و استثارة الحمد و
الثناء و ربما يلبس عليهم الشيطان مع ذلك و يقول لهم غرضكم نشر دين الله و النضال
عن الشرع الذي شرعه رسول الله ص. و المظهر لهذه المقاصد يتبين عند ظهور أحد من
الأقران أكثر علما منه و أحسن حالا بحيث يصرف الناس عنه فلينظر حينئذ فإن كان حاله
مع الموقر له و المعتقد لفضله أحسن و هو له أكثر احتراما و بلقائه أشد استبشارا
ممن يميل إلى غيره مع كون ذلك الغير مستحقا للموالاة فهو مغرور و عن دينه مخدوع و
هو لا يدري كيف و ربما انتهى الأمر بأهل العلم إلى أن يتغايروا تغاير النساء فيشق
على أحدهم أن يختلف بعض تلامذته إلى غيره و إن كان يعلم أنه منتفع بغيره و مستفيد
منه في دينه. و هذا رشح الصفات المهلكة المستكنة في سر القلب التي يظن العالم
النجاة منها و هو مغرور في ذلك و إنما ينكشف بهذه العلامات و نحوها. و لو كان
الباعث له على العلم هو الدين لكان إذا ظهر غيره شريكا أو مستبدا أو معينا على
التعليم لشكر الله تعالى إذ كفاه و أعانه على هذا المهم بغيره و كثر أوتاد الأرض و
مرشدي الخلق و معلميهم دين الله تعالى و محيي سنن المرسلين و ربما لبس الشيطان على
بعض العالمين و يقول إنما غمك لانقطاع الثواب عنك لا لانصراف وجوه الناس إلى غيرك
إذ لو رجعوا إليك أو اتعظوا بقولك و أخذوا عنك لكنت أنت المثاب و اغتمامك لفوات
الثواب محمود و لا يدري المسكين أن انقياده للحق و تسليمه الأمر الأفضل [للأفضل]
أجزل ثوابا و أعود عليه في الآخرة من انفراده. و ليعلم أن أتباع الأنبياء و الأئمة
لو اغتموا من حيث فوات هذه المرتبة لهم
اسم الکتاب : منية المريد المؤلف : الشهيد الثاني الجزء : 1 صفحة : 143