البيّنة لا أكثر، و البيّنة إنّما شهدت بمقدار الجامع. و منها - ما ذهب إليه المحقّق العراقيّ رحمه اللّه من جعل الطريقيّة [1]«»على فرق دقيق بين طريقيّته و طريقيّة المحقّق النائينيّ رحمه اللّه مضى ذكره في بحث الجمع بين الحكم الواقعيّ و الظاهريّ، و هو قدّس سرّه يقول بأنّ العلم الإجماليّ إنّما ينجّز الواقع، لأنّه يتعلّق بالواقع. و عليه، نقول في المقام: إنّ هذه البيّنة هل تنجّز هذا الطرف بعنوانه، أو ذاك الطرف بعنوانه، أو الواقع، أو الجامع؟ فالأوّل و الثاني ترجيح بلا مرجّح، و تنجيز لغير مفاد البيّنة، و الثالث لا يتمّ فيما إذا احتمل كذب البيّنة، لا مجرّد خطئها و اشتباهها، لأنّ نسبة البيّنة إلى الواقع - لو كان هناك واقع - و غيره على حدّ سواء، و ليس الحال في ذلك هو الحال في العلم الإجماليّ الّذي فرض المحقّق العراقيّ أنّه ينجّز الواقع، لتعلقه بالواقع [2]، فيتعيّن الرابع، و يلزم جواز الاكتفاء بترك أحدهما تخييرا، و عدم وجوب الموافقة القطعيّة. نعم، على مبنى المحقّق النائينيّ قدّس سرّه منّ أنّ العلم الإجماليّ يتعلّق بالجامع، و مع ذلك ينجّز كلا الطرفين«»ببيان مضى في محلّه، لا يرد هذا الإشكال، فإنّه قد
[1] لا يخفى أنّ المحقّق العراقيّ رحمه اللّه يقول بالطريقيّة في باب الأحكام الظاهرية بمعنيين: الأوّل - ما يقوله في خصوص الأمارات من جعل العلم و تتميم الكشف، إلاّ أنّه لا يرى هذا إلاّ مجرّد صيغة من الصيغ، لا يختلف روح الحكم الظاهريّ به، عن روحه من موارد الأصول العمليّة. و الثاني - ما يراه عبارة عن روح الحكم الظاهريّ، و هو كونه إنشاء حاكيا عن لبّ الإرادة القائمة بالمتعلّق و إبرازا لها، و تكون دائرة إنشائها أوسع من دائرة لبّ الإرادة الواقعيّة، فإنّها تختصّ بالواقع، في حين أنّ الحكم الظاهريّ قد يخطئ الواقع.
[2] نعم على الوجه الثاني من وجهي قوله رحمه اللّه بوجوب الموافقة القطعيّة، حسب ما ورد في نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 300 و 309، يمكن حلّ الإشكال في المقام، حيث ادّعى قدّس سرّه في هذا الوجه: أنّ العلم الإجماليّ حتى لو فرض تعلّقه بالجامع، لا بدّ من موافقته القطعيّة، لأنّه ينظر إلى الجامع مفروغا عن انطباقه و تحصّصه، و هذا - كما ترى - لو تمّ يأتي في المقام أيضا، فإنّ البيّنة تشهد بالجامع مفروغا عن انطباقه و تحصّصه و لو شهادة كاذبة.