الاختيار » ناظر
إلى الضرورة السابقة فان الضرورة الناشئة من قبل إعمال القدرة والإرادة لا يعقل ان
تأبى المقدورية والمرادية ، بل تؤكدهما. وقولهم : « ان التكليف لا يتعلق بما هو
واجب أو ممتنع » ناظر إلى الضرورة اللاحقة فان طلب الموجود أو المعدوم طلب الحاصل
، وطلب الوجود بالإضافة إلى المعدوم أو العدم بالإضافة إلى الوجود طلب النقيض مع
فرض تحقق نقيضه ، واجتماع النقيضين محال. فلا ربط لإحدى القضيتين بالأخرى » ، ثم
أنه ذكر بعد ذلك : أن العبارة ظاهرة في كون الوجوب والامتناع في كلتا القضيتين
واحد ، وأن عدم منافاتهما لصدور الفعل والترك بالاختيار لا ينافي منعهما عن تعلق
التكليف إذا كان ذلك بسوء الاختيار ، ثم أخذ في توجيه عبارة الكتاب [١].
أقول : يرد عليه :
أولا : انه لا
داعي لحمل العبارة أو لا على ما ذكره ثم تصحيحها بوجه آخر. فان ظاهر العبارة لا
إشارة فيه إلى ضرورة سابقة ولاحقة وغير ذلك ، بل ظاهرها أمر وجداني عرفي محصله ان
الشيء إذا كان واجبا أو ممتنعا امتنع تعلق التكليف به لعدم القدرة عليه وكان
التكليف بالنسبة إليه لغوا لعدم داعويته إليه ، اما ان هذا الممتنع أو الواجب
اختياري أو لا فهو له حديث آخر. فذهب الأشاعرة إلى عدم كونه اختياريا تمسكا بقضية
: « أن الشيء ما لم يجب لم يوجد ». وردّوا : بان هذا الوجوب إذا كان اختياريا
ومستندا إلى الإرادة كان الفعل اختياريا. وهذا المعنى أجنبي عن عدم صحّة التكليف
به لعدم إمكان داعويته إليه المقومة للتكليف هذا هو ظاهر العبارة ، ولا وجه لإطالة
الكلام في هذا ، ولعله هو المقصود مما وجّه به عبارة الكتاب ولا يهمنا ذلك.
وثانيا : ان
المورد ليس من موارد الضرورة اللاحقة ، ومن التكليف
[١] الأصفهاني
المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٢٩٢ ـ الطبعة الأولى.