و على كلّ تقدير: لا شبهة في أصل تقدّم الأمارات على الاصول بالضرورة، و إنّما الخلاف في أنّ التقديم بالحكومة مطلقا [1]، أو الورود مطلقا [2]، أو هناك تفصيل [3]؛ فمن الأمارات ما يكون حاكما، كقاعدة اليد؛ لقوله (عليه السلام): «من استولى على شيء منه فهو له» [4] و من الأمارات ما يكون واردا، كالخبر الثقة، فإنّه حجّة، و لا موضوع واقعا لأدلّة الاصول في مصبّ قامت فيه الحجّة الشرعيّة.
و يحتمل أن تكون أدلّة الأمارات مخصّصة و مقيّدة، كما يحتمل أن تكون أدلّة الأدلّة، منصرفة عن موارد الأمارات و الحجج العقلائيّة.
و حيث إنّ المسألة تحتاج إلى التدبّر في كلّ أمارة برأسها؛ لقيام ذلك على النظر في الأدلّة الخاصّة، فالإحالة إلى محالّها أولى و أحوط، و إن كان الأمر سهلا.
الأمر الثالث: في اصوليّة مسألة البراءة مطلقا
إنّ البحث عن البراءة في الشبهات الحكميّة و الموضوعيّة- تحريميّة، أو إيجابيّة بأقسامها، و على تفاوت مناشئها؛ من فقدان النصّ، أو إجماله، أو تعارض الأدلّة، بعد ما كانت ساقطة مثلا- من البحث الاصوليّ، و تكون المسألة من المسائل الكلّية الاصوليّة؛ لما يستنتج منها قانون كلّي يستنبط به الفروع، ضرورة أنّ البحث بين الأخباريّ و الاصوليّ، يرجع هنا إلى أنّ المشكوك وجوبه أو حرمته، و غير المعلوم حكمه، المردّد بين الإلزاميّ و غيره، هل يكون مرفوعا و غير مستتبع لشيء، أو لا؟