قد فسرنا معني قوله «يُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الأَرضِ» و أن المراد بها ما في خلق السموات و الإرض، و ما فيهما من الادلة الدالة علي توحيده و صفاته الّتي باين بها خلقه، و أنه لا يشبه شيئاً و لا يشبهه شيء و أنه منزه عن القبائح و صفات النقص، فعبر عن ذلک بالتسبيح من حيث کان معني التسبيح التنزيه للّه عما لا يليق به.
و قوله «لَهُ المُلكُ» معناه انه المالك لجميع ذلک و المتصرف فيه بما شاء، و لا أحد يمنعه منه، و له الحمد علي جميع ذلک، لأن خلق ذلک أجمع للإحسان إلي خلقه به و النفع لهم فاستحق بذلك الحمد و الشكر «وَ هُوَ عَلي كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ» يعني مما يصح أن يکون مقدوراً له، فلا يدخل في ذلک مقدور العباد، لأنه يستحيل أن يکون مقدوراً للّه.
و قوله «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم» معناه هو ألذي اخترعكم و أنشأكم بأن أخرجكم من العدم إلي الوجود «فَمِنكُم كافِرٌ وَ مِنكُم مُؤمِنٌ» معناه فمنكم من يختار الكفر بسوء اختياره و منكم مؤمن بحسن اختياره للايمان. و قال الحسن: فيه محذوف و تقديره فمنكم كافر و منكم مؤمن و منكم فاسق. و قال غيره: ليس فيه حذف، لأن الغرض ذكر الطرفين لا المنزلة بين المنزلتين کما أن قوله «خلقكم» خطاب يتوجه إلي جميع الخلق. و إن کان منهم الأطفال و المجانين الّذين لا حكم لهم بالايمان و لا بالكفر.
و قال الزجاج: معناه «فَمِنكُم كافِرٌ» باللّه بأن اللّه خلقه «وَ مِنكُم مُؤمِنٌ» بذلك.
و قوله «وَ اللّهُ بِما تَعمَلُونَ بَصِيرٌ» معناه- هاهنا- أنه خلق الكافر، و هو عالم بما يکون منه من الكفر، و كذلك خلق المؤمن و علم بما يکون منه من الايمان، و کل ذلک علي وجه الإحسان في الفعل ألذي يستحق به الحمد و الشكر. ثم قال «خَلَقَ السَّماواتِ وَ الأَرضَ» بمعني اخترعهما و انشأهما «بِالحَقِّ» أي للحق و هو انه