اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 914
لأن يَسقط منه شيءٌ ، لاحِظْ ـ
مثلاً ـ الأمثلةَ السالفةَ الذكر ، فهل تَرَى سَقَطَ منها شيءٌ ؟!! بل لا يسقط من
كلام المتكلّم العاقل شيءٌ في حال التخصيصات المنفصلة ، فهل يُعقَلُ أن يَتكلّم
المقنِّنُ نِصفَ كلامه في فقرة والنصفَ الثاني في فقرة اُخرى ، أصلاً لا يكون هذا
، وإنما يكون في الفقرة السابقة في مقام بـيان أصل التشريع ، وفي الفقرة الثانية
في مقام إبراز بعض التـفصيلات ، إلاّ إذا كانت الفقرتان متّصلتين ، وإلاّ لكان
المقنِّنُ غيرَ حكيم ، فكيف يَسقط من كلام المعصوم شيءٌ ؟! فإنّ المعصوم قد يكون
في المقام الأوّل في مقام تعليم أصل الحكم ، وفي مقام آخر يكون في مقام التـفصيل ،
فلا يَسقط شيءٌ من مداليل كلامه ـ لا المدلول الجدّي ولا غير الجدّي ـ ولا تَسقط
الحجيّةُ من كلامه الأوّل ، لأنّ الإمام حينما يتكلّم فإنه يتكلّم بطريقة الناس ،
أي كلاماً كاملَ المعنى ، ولا يمكن أن يعتمد في تـفهيم السائل على قرائنَ منفصلةٍ
سوف تأتيه بعد فترة من الزمن ، فإنّ المعصومين (علیهم السلام) لم يعوّدونا على
التكلّم بغير طريقة الناس الإعتياديّة ، ولم يعْلِمونا بالخروج عن العادة البشريّة
، بل إنّ الإعتماد في تـفهيم الأحكام الشرعيّة على القرائن المنفصلة هو خروجٌ عن
الحكمة ، وحاشا لساحة العصمة أن يَصدُر منها ما فيه شيءٌ من ذلك ، ولذلك ترى
السائلَ الذي يسمع جوابَ الإمامِ يَتَمسّك ـ بفطرته ـ بالمداليل الثلاثة لكلام
الإمام ، ولا يقول (أنا أحتمل ورود قرائن منفصلة ولو بعد حين ، ولذلك لا يصحّ لي
الأخذُ بكلام الإمام) وذلك لأنه يعلم بأنّ الإمام جادّ بما أفاد ، ويريد الإفهامَ
، ولا يريد إخفاءَ الأحكام الشرعيّة ، ولذلك نقول : تَبقَى الظهوراتُ الثلاثة حجّةً
بلا شكّ في ذلك . على كلٍّ ، تعرّضنا بالتـفصيل لهذه الأبحاث في حاشيتـنا على
الحلقة الثالثة / بحث (النظريّة العامّة للجمع العرفي) .
* أمّا
الخروج التخصُّصي
فهو كما لو أخرج الدليلُ شيئاً من
تحت العام إخراجاً موضوعيّاً ، بمعنى أنه بـيَّن أنّ الخارج هو ليس من موضوع
العامّ ، ومثالُها المشهور قولُه تعالى [فَإِذَا سَوَّيْتُهُوَنَفَخْتُ فِيهِ مِن
رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ
أَجْمَعُونَ (30) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)] [916] فإنّ استـثـناءَ إبليس
هنا هو استـثـناءٌ منقطع ـ لا متّصل ـ وذلك لأنّ إبليسَ خارجٌ موضوعاً وتكويناً ـ
لا تعبّداً ـ من تحت جنس الملائكة ، هذا الخروج إسمُه خروجٌ تخصُّصي أي موضوعي .