اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 909
إذن يجب أن يكون الدليل المحكوم
موجوداً أوّلاً ، وثانياً يجب أن يكون الدليلُ الحاكمُ ناظراً للدليل المحكوم ومفسِّراً
لموضوعه ، وإلاّ ـ لو فرضنا عدمَ وجودِ (الربا حرام) أو فرَضْنا عدمَ نظر الدليل
الحاكم إلى الدليل المحكوم ـ لم يَعُدْ هناك معنى لقولنا (لا ربا بين الوالد
وولده) ، لأنه ح لا مورد له ، لأنه لا يوجد (رِبا) ليفسّره ، أو قُلْ لأنه غير
ناظر إلى موضوع دليل ثانٍ ليفسّره . ومن الطبـيعي أن نأخذَ بمقدار نظر الدليل
الحاكم فقط ، لا أكثر . فمثلاً : في المثال السابق (الطوافُ في البـيت صلاةٌ)
القدرُ المتيقنُ ـ بنظر المتشرّعة ـ هنا هو النظرُ في هذا التـنزيل إلى خصوص
اشتراط الطهارة الماديّة والمعنويّة في الطواف ، دون الإتجاه إلى الكعبة الشريفة
ودون الركوع والسجود . وأمّا المقدار المشكوك ـ كالرقص والغناء مثلاً ـ فيجب أن نـنظر
إلى الإطلاق في دليل الحاكم ، فإن كان مطلَقاً فعلينا أن نـتمسّك به في الاُمور
المشكوكة .
المهم هو أنك لا شكّ أنك لاحظتَ
أنّه في الورود يوجَد إلغاءٌ لموضوع الدليل المورود عليه ، أي هناك طوليةٌ بين
الوارد والمورود ، أمّا في الحكومة فهناك عرْضية ، لأنّ الدليل الحاكم يكون في عرض
الدليل المحكوم ويفسّر موضوعَه .
وما ذكرناه هو الحكومة
الواقعيّة
لأنّ الأدلّة الحاكمة فيها هي أحكام واقعيّة وملاكُها واقعي ـ لا أصولاً عمليّةً
شرطُها الشكّ ـ .
وقد يقال بأنه يوجَد حكومةٌ
أخرى هي حكومة
ظاهريّة
، وأنها على نحوين :
ــ قد يمثَّل للنحو الأوّل بقول الشارع المقدّس ـ
مثلاً ـ (خبرُ العادل علمٌ) ـ على مسلك الطريقيّة ـ فإنه يوسّع ـ تعبّداً ـ معنى (العِلم)
الواردِ في الأحكام الشرعيّة التي تـتضمّن العِلْمَ في موضوعاتها ، كما لو قال المولى
مثلاً (يحرم الإفتاء بغير علم) ، فإنّ قولَ الشارعِ المقدّس (خبرُ العادل علمٌ)
يوسِّعُ في حدود (العلم) فيصير ح يمكن للفقيه أن يُفتيَ بناءً على أخبار العدول ، لأنه
عِلمٌ ، ولذلك كان قول الشارع المقدّس (خبر العادل علم) حاكماً على (يحرم الإفتاء
بغير علم) . وبما
أنّ الحاكم هنا فيه نحوُ كاشفيّةٍ ، فيجب أن نقول بأنّ الحكومة هنا هي ظاهريّة ،
ولكنها من الصنف الأوّل من الحكومة الظاهريّة .
أقول : ذَكَرْنا هذا المثلَ
لتقريب الفكرة لا أكثر ، وذلك لكون الموجود في اللوح المحفوظ هو (يحرم الإفتاءُ
بغير حجّة) وليس (يحرم الإفتاءُ بغير علمٍ) .
ــ ومثال النحو الثاني قولُ عمّار بن موسى
الساباطي (كلُّ شيءٍ نظيفٌ حتى تعلم أنه قذر ، فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم
فليس عليك) ، وهذه
القاعدة ليس فيها كاشفيّةٌ أصلاً ، ولذلك
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 909