اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 838
وهذا معنى قول علمائـنا بتقدّم
الإستصحاب السبـَبي على الإستصحاب المسبـَّبي ، بمعنى أنّ الإستصحابَ المسبـَّبي
لا يجري من الأصل ، لا أنه يجري ثم يسقط .
مثال آخر : أنت تعلم أنّ التذكيةَ
شرطٌ في حِلّيّة أكل لحم الحيوان المحلَّل الأكل ـ كالبقرة ـ فإذا شككنا في حصول
التذكيّة فإنّ أصالةَ عدم التذكيّة تُقَدَّمُ على أصالة الحِلّ ، تَقَدُّمَ الأصلِ
السبـَبي على الأصل المسبـَّبي ، وتقدًّمَ الموضوعِ على الحكم ، فلا يمكن أن يأكل
منه الشخص ، وهذا مثال تقدّم استصحاب عدم التذكية على أصالة الحِلّ .
مثال ثالث : إذا كان عندك ماءٌ
لا تعرف حالتَه السابقة ، وغَسَلْتَ به ثوباً متـنجّساً ، فإنك تلاحظ كلّ علمائـنا
يُجْرُون قاعدةَ الطهارة في ماء الإناء ويرتّبون على ذلك طهارةَ الثوب ، ولا
يُجرون استصحابَ نجاسة الثوب أصلاً ، وذلك لنفس قاعدة تقدّم الأصلِ السبـَبي على
الأصل المسبـَّبي ، ويقولون بأنّ ما يُفهم من قاعدة الطهارة ونحوها من الأصول
العمليّة هو تـنزيل مؤدّاها منزلةَ الواقع شرعاً ، فقاعدة الطهارة تـنزّل مشكوكَ
النجاسة منزلةَ الطاهر الواقعي . وهنا لاحظتَ تقدُّمَ قاعدةِ الطهارة على الإستصحاب
بالورود .
مثال رابع : لو شُك في وجود دَين
في ذمّة الميّت ، فإنـنا نُجري أصالةَ عدم اشتغال ذمّة الميّت بهذا الدَين المشكوك
، فعندئذٍ لا مجال لاستصحاب بقاء ملك الميت بحاله لتسديد ديونه المشكوكة[818] ، ومع جريان الإستصحاب
السَّبـَبي ـ الذي هو أصالة عدم وجود دَين في ذمّة الميّت ـ لا يجري استصحابُ بقاء
هذا المقدار للميّت لتسديد ديونه . لكن هذا المثال وهذا الكلام يجري بلحاظ الورثة
فقط ، ولا يجري بلحاظ الميّت ، ولذلك يكون هذا المثال لتقريب الفكرة لا أكثر ،
وإلاّ فلو كان هناك دَينٌ في ذمّة الميّت ويُحتمَل أن يكون الميتُ يعرف ديونَه حال
حياته وقصّرَ في أداء دَينه فإنه من الطبـيعي أنه لا تبرأ ذمّتُه يوم القيامة .
ومن هنا تعرف تقدُمَ الأصلِ
السبـَبي على الأصل المسبـَّبي بالورود على أيّ حال ، حتى ولو كان الأصلُ السبـَبي
هو قاعدة الطهارة والأصلُ المسبـَّبي هو الإستصحاب ، فإنّ الأصل السبـَبي يتقدّمُ
على المسبـَّبي على كلّ حال كما رأيتَ في الأمثلة .
* * * * *
[818]
إستدللنا في كتابنا الإرث بعدّة أدلّة أنّ الميّت يـبقى مالُه له حتى يدفعوا عنه
ديونَه ووصاياه .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 838