اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 837
لِنُـثْبِتَ أنّ منـتصف الليل هو
من غروب الشمس إلى مطلعها ، فهذا الإستصحابُ يكون أصلاً مثبتاً بوضوح .
* * * * *
5 ـ الإستصحاب السَّبـَبي
والإستصحاب المسَبـَّبي
لعلّك تـتذكّرُ أنّ الإستصحاب
السبـَبي هو الذي يعالِج الموضوعَ ويستصحب بقاءه في مرحلة السبب ، وأنّ الإستصحاب
المسبـَّبي يعالج الحكمَ في مرحلة متأخّرة . مثال ذلك : لو استصحبتَ كريّةَ الماءِ
الموجودِ في الخزّان على السطح ، وفتحتَ حنفيّةَ الخزّان على طشتٍ في المنزل ،
ووضعتَ ثوباً متـنجّساً فيه لتطهِّرَهُ ، فأنت حينما استصحبتَ كريّةَ ماء الخزّان
، فأثَرُ هذا الإستصحابِ هو اعتصامُ ماءِ الطشت ، وعليه فإذا دلّكتَ الثوبَ في
الطشت حتى ذهبتِ النجاسةُ فقد طَهُرَ الثوبُ بلا شكّ ولا خلاف . إستصحابُك لكريّة
ماء الخزّان هو (إستصحاب سبـَبيّ) ، واستصحابُك لنجاسة الثوب هو (استصحابٌ مسبـَّبي)
، فالسؤالُ
هنا هو :
هل لك أن تُجري استصحابَ نجاسةِ
الثوب بذريعة أنّ الثوب كان متـنجّساً ، ولم نعلم بطهارته ، لأنّ استصحاب كريّة
الماء ، وبالتالي اعتصام ماء الطشت ، ثم الحكم بطهارة الثوب ، هي اُمور تعبّديّة
لا تكوينيّة ، ولذلك فنحن نشكّ ـ بالفعل ـ بحصول طهارة الثوب ، فلماذا ـ إذَنْ ـ
لا نستصحب نجاستَه ، مع أنّ قاعدة الطهارة تقول "كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنه
قذر ، فإذا علمتَ فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك شيء" ، ونحن لا نعلم
بطهارة الثوب واقعاً !!
الجواب : لا شكّ أنك تعلمُ
أنّ ثبوت الطهارة أو الكرّيّة ـ كمثال ـ يكفي فيه الثبوتُ التعبّدي ، وإلاّ لَغا
تشريعُ الأمارات والأصول كقاعدتَي الطهارة والإستصحاب ، ولذلك حينما تأمرنا
الرواياتُ بإجراء استصحاب كريّة الماء ـ مثلاً ـ فلا فائدة من ذلك إلاّ ترتيبَ
آثارِ هذا الإستصحاب ، من صيرورة ماء الطشت معتصماً وحصولِ طهارة الثوب ... وبتعبـيرٍ
آخر : أنت تـفهم من أدلّة الإستصحاب أنها تـنزِّلُ المشكوكَ البقاءِ منزلةَ المتيقّن
ظاهراً أي تعبّداً ، فأنت إذَنْ عالِمٌ شرعاً وتعبّداً بكون الماء كرّاً ، فـتعتبر أدلّةُ
الإستصحابِ المستصحَبَ بمَنزلةِ الكرّ الواقعي بوضوح ، وقد ذكرنا الأدلّة على هذا التـنزيل
سابقاً . وبتعبـير ثالث : الإستصحاب السببي يُلغي موضوعَ الإستصحاب المسببي ، فهو
إذن وارد عليه .
فإذا عرفت ما نـقول تعرفُ
أنّه لا يـبقَى محلٌّ لإجراء استصحاب نجاسة الثوب ، بعدما حكمنا باعتصام ماء الطشت
وبصيرورة الثوب طاهراً تعبّداً .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 837