اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 758
ولذلك ترى العلماءَ يشعرون
بفطرتهم أنّ الإستصحاب ليس أمارةً لا عقلاً ولا عقلائياً ولا متشرّعياً ولا عرفاً
، وإنما هو أصل عملي لا أكثر .
* * * * *
النسبة بين الإستصحاب وسائر الأصول العملية والأمارات
من الواضح أنّ الإستصحاب واردٌ
على قاعدة الطهارة ، فيقدَّمُ عليها ، وإنما قلنا بالورود لأنّ الإستصحاب يُلغي
موضوعَ قاعدة الطهارة تعبّداً ، وذلك لأنّّ موضوع قاعدة الطهارة هو الشكّ ، وأدلّةُ
الإستصحاب تُفيدنا بقاءَ الحالة السابقة تعبّداً ، فهي إذن تلغي الشكّ تعبّداً ،
ولذلك كانت الطهارة في طول الإستصحاب .
وإنما مثّلنا بالطهارة
لا بالحِلّ ولا بالبراءة لأنّ الإستصحاب لا يجري ـ عندنا ـ في
الشبهات الحكمية ، فلا محلّ للكلام ح عن النسبة بين الإستصحاب وبين البراءة
والحِلّ اللذين لا يجريان إلاّ في الشبهات الحكمية فقط ، ولذلك لا يُجريهما إلاّ
المجتهدُ فقط ، لا العامّي .
وأمّا في تعارض الإستصحاب مع الإحتياط
، فلو تردّد الإناءُ النجس بين إناءين مثلاً وكانت حالة أحد الإناءين المعيّن أو
كليهما الطهارةَ سابقاً ، فإنّ هذا لا يجوّز عندنا شربَ هذا الإناء المعيّن بذريعة
طهارته سابقاً ، وذلك للعلم بنجاسة أحدهما فعلاً ، والعلمُ وارد على الإستصحاب
بالبديهة ، لأنّ موضوع الإستصحابِ الشكّ ، تقول "إن شككتَ فاستصحب" ولذلك
إذا كان عندك علم فعلاً بالنجاسة فإنك لن تستصحب .
وأمّا تعارض الإستصحاب مع أصالة
عدم التذكية فلا يمكن فرْضُه وتصوُّرُه أصلاً ، وذلك لأنّ أصالة عدم التذكية
هي فرع من فروع الإستصحاب ، أي أنهما واحد لا إثـنين .
وكذلك تعارض الإستصحاب مع أصالة
الإشتغال لا يُتصوّر ، لأنّ الإشتغال هو أيضاً فرع من فروع الإستصحاب ، فلو
شككتَ في أداء صلاتك أو دَينك فإنك تستصحب عدمَ أدائها ، وهذا ما يعبّرون عنه بـ
أصالة الإشتغال .
وأمّا في تعارض الإستصحاب مع الأمارات
ـ كخبر الثقة والفراغ واليد وسوق المسلمين والصحّة في عمل الغير ـ فلا شكّ في تقدُّم
الأمارات على الإستصحاب بالورود أيضاً ، لأنها تُلغي موضوعَ الإستصحاب من الأصل تعبّداً
، وليست الأماراتُ في عرْض الإستصحاب ، وإنما الإستصحاب هو في طول الأمارات . فلو
أخبرنا ثقةٌ بتطهير شيءٍ كان نجساً قبل ساعة فليس علينا أن نستصحب نجاستَه ، وإنما
علينا أن نأخذ
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 758