اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 757
وذلك لاحتمال تذكيتها مِن قِبَلِ
المسلمين الموجودين هناك ، بعد أن لم يَثبُت أنّ هذا اللحمَ مَيتةٌ ، والمَيتةُ هي
موضوع النجاسة ، وليس غيرُ المذكّى ، فحينما نشكّ في كون هذا اللحم مَيتةً فنحن
بالتالي نشكّ في كونه نجساً .
ولكنْ ـ رغم أنك يجب أن تبني
على الطهارة ـ ليس لك أن تبني على تذكية ذلك اللحم ، بذريعةِ أنّ القول بالطهارة
من لوازمه وجوبُ البناءِ على التذكية ، فتأكلَ من هذا اللحم ! فهذا غير صحيح ،
فإنّ التعبّد بقاعدة الطهارة ناظرٌ فقط إلى طهارة اللحم ، وأمّا بالنسبة إلى لوازم
الطهارة من التذكية ، فلا ، بمعنى أنـنا لا يجوز لنا أن نأكل من ذلك اللحم ، لأنك
يجب عليك أن تبني على أصالة عدم التذكية . فإن قلتَ : بين البناء على
الطهارة والبناء على عدم التذكيةِ تـناقضٌ ! قلتُ : صحيح ، لكنْ هذا التـناقضُ
هو في مقام الأحكام الظاهرية فقط ، لا في مقام الأحكام الواقعية ولا على مستوى
العقل ، فلا تـناقض عقلياً بين أن يتعبّدنا الله تعالى بأصالة الطهارة وأصالة عدم
التذكية ، لأنّ لكلّ أصل مصلحتَه القائمةَ به ، ولذلك يتقبّل العقلاءُ هكذا أصولاً
ظاهرية قد تـتـناقض أحياناً في مقام العمل .
نرجع إلى الإستصحاب فنقول : لا
شكّ في أنّه (1) في مورد الإستصحاب قَدَرٌ من الكاشفيّة ، قد تكون إلى حدّ الظنّ
القويّ ، وقد تكون الكاشفيةُ ضعيفة جداً ، و (2) لا نعلم إذا كان مؤدّى الإستصحاب
يصيب الواقعَ غالباً ، كما كان الحال في خبر الثقة أو سوق المسلمين أو اليد أو
الصحّة ، و (3) هو لا يدّعي الحكايةَ عن الواقع كما كان الحال في خبر الثقة ونحوه ،
و (4) لم يَقُلْ لنا المولى "الإستصحابُ حجّةٌ مطلقاً حتى في لوازمه" ،
إذن بناءً على هذه المقدّمات الأربعة يجب أن يكون الإستصحابُ أصلاً ظاهرياً عملياً
فقط ، لأنّ المنظورَ إليه هو بقاءُ الحالة السابقة ، وهو أمْرٌ يناسب الفطرةَ
البشرية ، وهو ما يسمّيه السيدُ الشهيد بأهميّة المحتمل ، فهو من هذه الناحية
كالبراءة والحِلّ تماماً ، المنظورُ إليه هو المحتمل ، فكما تقول : إبْنِ على
البراءة وعلى الحِلّيّة وعلى الطهارة ، تقول هنا أيضاً إبْنِ على بقاء الحالة
السابقة ، مهما كانت الحالة السابقة ، وافقتِ الواقعَ أم لا ، وسواء كان احتمال
البقاء قوياً أم ضعيفاً ، وإنما شرّعه الله تعالى لأنه يناسب الفطرةَ العقلائيّة ،
وأيضاً أنت تعلم أنّه ليس فيه حكايةٌ عن الواقع ، أي هو لا يدّعي الحكايةَ عن
الواقع ، كما كان الحالُ في خبر الثقة ، فهو إذن أصْلٌ قطعاً ، ويجب أن يكون
محرِزاً لأخذ احتمال البقاء في أدلّته ، ولذلك مع عدم احتمال البقاء لا يجري
الإستصحابُ ، ولا يصحّ أن تكون لوازمه حجّة قطعاً ، لأنّ المولى تعالى ما
قال لنا في الإستصحاب بأنه مطلقاً حجّة حتى في لوازمه التكوينية ـ كنبات اللحية في
المثال المعروف ـ كما قال لنا في خبر الثقة وسوق المسلمين واليد ونحوها ، إنما
تعبّدنا باستصحاب الحالة السابقة فقط .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 757