اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 722
وكذلك الأمر في جانب الحرمة ،
فإنها لا يجوز لها مصافحةُ الرجال ولا النساء ، لعلمها الإجمالي بمخالفتها للواقع
، فإنك إن جَوَّزْتَ لها أن تُسَلِّمَ على الرجل ، فنفسُ السببِ يُجَوِّزُ لها أن
تُسَلِّمَ على المرأة .
* * * * *
دوران الأمر بين المحذورَين أو أصالة التخيـير
لا شكّ أنك تعلم أنّ العلم
الإجمالي بوجوب فعل أو بحرمته هو ـ عَمَلِيّاً ـ غير منجَّز ، وذلك لعدم إمكان
الإحتياط عقلاً ، هذا أوّلاً .
ثانياً : إنّ البراءتين
العقليّة والشرعيّة قد تجريان في كلّ طرف ، وذلك للجهل بوجوب الفعلِ وبحرمته ،
فالمقتضي لجريان كلتا البراءتين موجود ، لكنْ لو جرت البراءةُ فيهما لوقعنا في
المخالفة ، وذلك لِعِلْمِنا بوجوب الأمر أو بحرمته ، فتـتساقطان لهذا السبب .
مثال ذلك : لو شككنا في وجوب
قراءة السورة بعد الفاتحة في ضيق الوقت أو في حرمتها [733] ،
[733] مثّل بعضُهم بالمثال التالي
قالوا : لو فرضنا الحرمةَ
الذاتية لصلاة المرأة الحائض وأنّ صلاتها من باب القبح المحرّم ذاتاً ، وليست حرمتُها
تشريعيّةً تعبّدية ، وشكّت المرأة في كونها حائضاً أو غير حائض ؟ والفرق بـينهما إمكان
الإحتياط بناءً على الحرمة التشريعيّة ، وذلك بأن تقصد المرأةُ هذه الصلاةَ
عمّا في الذمّة ويحرم عليها قصْدُ الأمر بها ، وعدمُ إمكان الإحتياط بناءً
على الحرمة الذاتية ، لأنّالمفسدةَ
تكون ح ذاتية كالظلم ، ولا يصحّ منك عقلاً أن تأتي بعملٍ برجاء أن يكون ظلماً ،
ولا يصحّ أن تأتي بعملٍ برجاء أن يكون عبادةً وهو محتملُ الحرمةِ ذاتاً ، ولذلك
يصير الدوران ـ بناءً على الحرمة الذاتية ـ بين وجوبها ـ بناءً على احتمال كونها مستحاضة ـ وحرمتها ـ بناءً على احتمال كونها حائضاً ـ وذلك من باب دوران صلاتها بين المحذورَين
، أي بين كونها واجبة أو محرّمة ، ولذلك لا يمكن الإحتياطُ فيها بالإتيان بها .
أقول : لا نرجّحُ مثالَهم هذا ، وذلك لأنّ الظاهر أنّ سبب
الحرمة ـ بحسب
الروايات ـ هو لأنها
"في حَدّ النجاسة ، فأحبّ اللهُ أن لا يُعبَدَ إلاّ طاهراً" وهذه
الروايات تـفيدُنا مبغوضيّةَ وقوفِها تصلّي بين يدي الله ـ وذلك كمبغوضيّة مَن يصلّي بالمَيتة
وبغير مأكول اللحم ـ أي أنّ صلاتها
غيرُ لائـقةٍ في محضر الباري جلّ وعلا ، لا من باب أنه من القبـيح كأفراد الظلم من
قبـيل شرب الخمر والقتل الظلمي ، وإنما صلاتها تكون كمَن يصلّي بالنجاسة فتكون
صلاتُه باطلةً ولم يَقُلْ واحدٌ في العالمين بالحرمة ، كما أنّ الأصل هو عدم
الحرمة الذاتية ، والقدرُ المتيقّن هي الحرمة التشريعيّة التعبّدية فقط ، أي
البطلان ، وهذا سبب آخر لعدم رجحان هذا التمثيل ، ولذلك لا مانع من إمكان الإحتياط
الإنـقيادي ، وذلك بأنْ
تُصَلّيَ بعنوان رجاء المطلوبـية واحتمال القبول ، فتكون بذلك منقادةً إلى الله
تعالى .
وأمّا إمكانُ المخالفةِ القطعيّة فبأنْ تـترك الصلاةَ أصلاً ، حتى برجاء المطلوبـية
، أو أن تصلّيَ رياءً ، فإنّ هذه الصلاة بهذه النيّةِ مبعِّدةٌ عن المولى قطعاً ومبغوضةٌ
لديه عزّ وجلّ ، فإنه لا يَرضَى أن يُشرَكَ به ، بل العقلُ يقطع بِقُبْحِ أن
يُعبَدَ اللهُ ظاهراً ويكون النظر فيها لهدف آخر غيرِ الله ـ كنَيل مرتبةٍ دنيويّة
مثلاً ـ .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 722