اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 723
فقد كنّا نـقول في السابق بعدم
وجود المقتضي لجريان البراءة في موارد العلم الإجمالي المنجّز ، وِفاقاً للمحقِّقِين
النائيني والعراقي والسيد الشهيد الصدر ، وذلك لأنّا كنّا نـنظر إلى كلّ طرف بما
هو طرف للعلم الإجمالي المنجّز ، فكنّا نقول بالنسبة إلى البراءة العقلية بعدم حكم
العقل في موارد العلم الإجمالي بالبراءة من الأصل ، وبالنسبة إلى البراءة الشرعيّة
كنّا نقول بالإنصراف عن أصل جريانها في موارد العلم الإجمالي ، وأنّ الباري تعالى
إنما يقول بالبراءة للتسهيل على الناس ، ولا يُتصوّرُ التسهيلُ في دوران الحكم بين
المحذورين ، فهناك إذن قصورٌ ذاتيٌّ في جريان البراءتين في هكذا حالة ...
والخلاصةُ هي أنّ العلم الإجمالي المنجَّز يمنع من جريان البراءتين العقليّة
والشرعيّة ، فيَحكم العقلُ ح بالتخيـير ـ مع عدم ترجيح أحد الطرفين على الآخر ـ أو
بتـقديم جانب الحرمة ـ مع ترجيح جانب دفْع المفسدةِ واعتباره اَولَى مِن جلْبِ
المصلحة ـ فيُلزِمُ العقلُ ح بتركِ قراءة السورة في ضيق الوقت ، كما أنه لا تجري البراءة
الشرعيّة أيضاً في الإلزامَين المحتمَلَين والحكم بالبراءة منهما معاً ، نعم ، إذا
خرجت بعضُ أطراف العلم الإجمالي من الإبتلاء ـ كما في حالة سوق المسلمين ـ فلا شكّ
في جريان الاُصول المؤمِّنة في الأطراف الواقعة تحت الإبتلاء .
ولكنـنا رأينا بعد ذلك أنّ كلّ
طرف من الأطراف ـ ومع غضّ النظر عن العلم الإجمالي ـ بما أنه مجهول الحكم ، فح يجب
أن يَجريَ دليلُ البراءةِ في كلّ احتمالٍ من المحذورَين ، وأنه ليس هناك قصور ذاتي
البتّةَ في جريان كلتا البراءتين العقلية والشرعية في كلّ طرف ، وح نقول لا بأس بالقول
بجريانهما في كلّ طرف ، أي أنّ المقتضي لجريانهما موجود ، وذلك للجهل بالوجوب
وللجهل بالحرمة ، وهذا هو المقتضي للجريان ، نعم بسبب مخالفة جريان هتين البراءتين
للعلم الإجمالي فإنهما يتساقطان ، أي أنه بسبب علمنا بكذب أحد الترخيصين واقعاً
فإنّ البراءتين تـتساقطان قطعاً . والنـتيجة هي أنهما إثباتاً ـ أي عمَليّاً ـ
كأنهما لا يجريان من الأصل . ويقول السيد الخوئي بجريان البراءة الشرعيّة في كلا
المحذورَين .
ولو أجرينا البراءةَ عن الوجوب
تعيـيناً دون الحرمة أو عن الحرمة تعيـيناً دون الوجوب ، لكان إجراؤنا لهذه البراءة
بلا وجه عقلي ولا شرعي أيضاً ، أمّا بالنسبة إلى البراءة العقليّة فواضح أنّ العقل
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 723