اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 714
بوجوبها ، كما لو حكم العقلُ
بتقديم الأهمّ ـ كإنقاذ الغريق ـ على المهمّ ـ كالصلاة في ضيق الوقت ـ ثم ابتعد
الغريقُ عن الشاطئ أو أننا أنقذنا الغريق ولم يبقَ من وقت الفريضة إلاّ دقيقةٌ
واحدة ، فإننا لا نستصحبُ بقاء تقديم إنقاذ الغريق على الصلاة ، وإنما ننظر
بعقولنا في الحالة الثانية ـ كما لو ابتعد الغريق عن الشاطئ بحيث استبعدنا إمكانَ
إنقاذِه ـ هل يجب إنقاذه في هكذا حالةٍ أو لا ، وكما لو بقي من وقت الصلاة دقيقةٌ
واحدة ننظر هل يمكن أداءُ ركعة واحدة أم لا ... المهم هو أنّ الأحكام العقلية لا يصحّ
استصحابُها بالإجماع ، لأنّ العقل ينظر إلى كلّ حالة حالة ، ومع الشكّ لا يحكم ، وأوأوعلى أنه استصحاب في الشبهات الحكمية وهو غير
صحيح . ومَثَلُهُ كمَثَلِ مَن عجِزَ عن فعل معيّن ، فِعْلٍ غير شرعي ، ثم شَكّ في
بقاء العجز أو في تجدّد القدرة ، فإنّ الإستصحاب لا يجري ، لأنّ الإستصحاب أصلٌ شرعي
تعبّدي ، والعقلاءُ ـ من حيث هم عقلاء ـ لا يأخذون بالأصول التعبُّديّة ولا
يَعملون بها . وبتعبـير آخر ، الإستصحابُ لا يجري في الأحكام العقليّة ، فلو كان
الصدقُ في مقامٍ حَسَناً ، ثم شككنا في بقائه على حُسْنِه عند تغيّرِ بعضِ الحالات
، فلا دليل على جريان الإستصحاب في هكذا حالة ، ولأنه عند تغيّرِ الحالةِ
يَنْـتَـفي نفسُ الحكم العقلي ولا يَـبقَى موضوعُه ليُستـصحَبَ ، فهكذا حالةٌ
تُشْبِهُ حالةَ تغيُّرِ الكلبِ في مملحةٍ إلى مِلْحٍ ، فكما لا تُستصحَبُ نجاستُه
في هكذا حالة ، فكذلك الحكمُ العقلي لا يُستصحَبُ .
على أنه إنْ كان دليل المركّب
مطلقاً ـ كما في "لا تـُترَكُ الصلاةُ بحال" ـ ودليلُ القيد أيضاً
مطلقاً ـ كما في حديث "لا صلاة إلاّ بطهور" الذي يفيدنا ركـنيّةَ شرط
الطهارة ـ فلا شكّ في تقدُّم إطلاق دليل القيد على إطلاق دليل المركب بالتبـيين
والتوضيح ، لأنّ الجمع بـينهما يُفيد معنى "الصلاةُ مع الطهور لا تُترك
بحال" ، وهذا التقدّمُ يُنـتِـج القولَ بسقوط الصلاة عند فقْدِ الطهارةُ ، وح
لا يـَبقَى مجالٌ لجريان استصحاب بقية أجزاء الصلاة ، وذلك لورود الأمارات ـ وهو
حديث "لا صلاة إلاّ بطهور" ـ على الاُصول ـ وهو الإستصحاب ـ .
وبشكل عام ، إذا كان أحد
الدليلَين مطلَقاً أو كان كلاهما مطلقَين فلا تصل النوبةُ إلى الأصل العملي ، وإنما
يُتمسّك بإطلاق وجوب الدليل المحرِز ، وذلك لورود الأمارات ـ التي منها الإطلاقات ـ
على الأصول مطلقاً ، محرِزة كانت الاُصول أو غير محرِزة .
والنـتيجةُ هي
عدمُ حجيّة قاعدة الميسور بنحو الإطلاق ، وإنما على الفقيه أن ينظر إلى كلّ موردٍ
مورد ، فقد يُجري هذه الآياتِ في موردٍ ولا يُجريها في موردٍ آخر، واللهُ العالم
، والحمدُ لله ربّ العالمين .
* * *
* *
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 714