اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 675
وأيضاً : أدلّةُ البراءة أخصّ
من أدلّة الإحتياط ، ذلك لأنّ أدلّة الإحتياط شاملة لما قبل الفحص وما بعد الفحص
ولموارد العلم الإجمالي ، وأدلّةُ البراءة مختصّةٌ بخصوص ما بعد الفحص في الأدلّة
الإجتهاديّة وغير ناظرة إلى موارد العلم الإجمالي ، فيجب تقيـيدُ أدلّة الإحتياط
بأدلّة البراءة .
والخلاصة هي أنه لا دليلَ
على وجوب الإحتياط ، ولا معارَضةَ لأدلّة البراءة الشرعيّة .
* * *
* *
أمّا الإعتراض الثاني
فقد يُقال : إنه يستقلّ العقل
بلزوم فعل ما احتُمِل وجوبُه وترْكِ ما احتُمِلت حرمتُه في الشبهات الحكمية
والموضوعية ، حيث عُلِمَ إجمالاً بوجود واجبات ومحرمات كثيرة في الأخبار الضعيفة
وفي الخارج فيما اشتُبِه وجوبه أو حرمته مما لم يكن هناك حجة على حكمه ، تفريغاً
للذمة بعد اشتغالها ، ولا خلاف في لزوم الإحتياط في أطراف العلم الإجمالي إلا من
بعض الأصحاب ، فإن حَلَلْتَ العلمَ الإجمالي في الشبهات الموضوعية فماذا تفعل
بالروايات الضعيفة ؟
وقد يجاب عن ذلك بأنّ العقل واِنِ
استقل بذلك ، إلا أنّ العقل إنما يحكم بتـنجيز العلم الإجمالي إذا لم ينحلَّ العلمُ
الإجمالي إلى علم تـفصيلي وشك بدوي ، ولكنه انحلّ ، فإنه كما عُلِمَ بوجود تكاليف إلزامية
في الأخبار الضعيفة وفي الخارج كذلك عُلِمَ بثبوت طرق وأصول معتبرة مثبِتة لتكاليف
بمقدار تلك التكاليف المعلومة أو أزيد ، بحيث لا يـبقى عندنا عِلْمٌ بتكاليفَ
إلزامية أخرى غير ما ثبت عندنا بواسطة الأمارات الصحيحة والأصول العملية المثبتة ،
سواءً في الشبهات الحكمية أو الموضوعية .
وبخصوص الشبهات الحكمية
نقول :
يكفي أن نقول بعدم علمنا بوجود تكاليف إلزامية بين الأخبار الضعيفة ـ بَعد الأخْذِ
بالأمارات المثبِتَةِ للتكاليف وبالاُصول المثبتة للتكاليف ـ لا بل نستبعد وجودَ
أحكام إلزامية بين الأخبار الضعيفة لم يَرِدْ فيها خبر صحيح ، فإنـنا نعلم أنّ
الله جلّ وعلا قد بعث لخلقه مئات آلاف الأنبـياء والأوصياء ليـبلّغوهم أحكامه ،
فكيف يمكن أن يتركهم في عصر الغيـبة الكبرى من دون إعلام وجوب القنوت مثلاً أو
جلسة الإستراحة أو حرمة هذا أو ذاك ، وأنت تعلم أنّ الأحكام الإلزامية ملاكاتها
خطيرة بحيث إنها واصلة إلى حدّ عدم إمكان الترخيص فيها ، على أنّ إيصال الأحكام
الإلزامية إلينا وبعدد كبـير ، في غاية السهولة ، لذلك فنحن لا نعلم بوجود أحكام
إلزامية في الأخبار الضعيفة ، فتجري البراءةُ في الأخبار الضعيفة بلا شكّ . وهذا
الإنحلال المدّعى هو انحلال حقيقي ، لا إنحلالاً حُكْمياً فقط ـ الذي هو عبارة عن بقاء
العلم الإجمالي وجداناً لكنه لا يكون منجِّزاً ـ وذلك لأنه أقرب شيء ممّن لو
عَلِمَ باشتغال ذمّته بعشرة دنانير مثلاً ، وشَكّ في الأزيد ، وفيما نحن فيه
الأمْرُ هكذا تماماً ،
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 675