اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 674
وقيل : إنّ إيجاب الإحتياط
إن كان مقدّمةً للتحرّز عن عقاب الواقع المجهول فهو قبـيح ، وإن كان نفسياً
فالعقاب على مخالفته لا على مخالفة الواقع .
والجواب عنه واضح ، فإنّ
الإحتياط إنما هو للتحرّز عن مخالفة الواقع ، وليس نفسياً ، ومع تشريع البراءة صار
العقاب قبـيحاً .
ثم لعلّك تعلم أنّه لو كان هناك
إناءان أحدُهما متـنجّسٌ ، فشَرِبَ زيدٌ أحدَ الإناءين وشَرِبَ عَمروٌ الإناءَ
الآخرَ ، وصادف أنّ زيداً شرب الإناءَ المتـنجّسَ وعَمْراً شَرِبَ الإناءَ الطاهرَ
وهما لا يعلمان المتـنجّسَ الواقعي ، ففي هكذا حالة لا شكّ في أنّ زيداً يستحقّ
العقاب على مخالفة الواقع ـ أي على شرب الإناء المتـنجّس ـ وأنّ عَمراً يستحقّ
العقابَ على مخالفة الإحتياط وذلك لتجرّئه على مخالفة المولى تعالى . ولكنْ مع ذلك
فكلاهما يستحقّان ـ عقلاً ـ نفسَ العقاب لأنهما في الإقدام على المعصية وسوء
النيّة بنفس القوّة .
* المهم هو أنّ أدلّة البراءة تـفيد
عدمَ وجوب الإحتياط في حال عدم العلم بالحكم الواقعي ، كقوله تعالى [لا يُكَلِّفُ
اللهُ نفساً إلاّ ما آتاها [698]أي لا يكلّفُ اللهُ
نفساً بتكليف إلاّ بالتكليف الواقعي الذي يُعْلِمُها به ، ومثلُها قولُه [وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ
حَتَّى يُـبَـيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّـقُونَ] [699] أي حتى يُـبَـيِّن لهم
الأحكامَ الواقعيّة التي يجب أن يتّقوها .
ولو فرضنا أنّ روايات الإحتياط
تـفيدنا لزومَ الإحتياط في حال الجهل بالأحكام الواقعية لتعارضت ح أدلّةُ البراءة
الشرعية مع أدلّة الإحتياط ، لأنهما في عرْضٍ واحد ، ولرجعنا ح إلى أصالة
البراءة العقلية .
وأيضاً : أدلّةُ البراءةِ
قرآنيةٌ فهي قطعيّة ، وبالتالي هي ترجِّحُ أدلّةَ البراءة على أدلّة الإحتياط
وتـتقدَّمُ عليها بالورود .
([698]) قال الله تعالى [لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ،وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا
آتَاهُ اللهُ ، لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا ، سَيَجْعَلُ
اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7)]
سورة الطلاق .