اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 607
على كلٍّ ، لا شكّ في أنّ
الأصول العمليّة تـنفعنا في استـنباط أحكام شرعية ظاهريّة فرعية كلّيّة ، من أوّل
الفقه إلى آخره .. لكلّ هذا انطبق عليها ـ بحقّ ـ أنها مسائل اُصولية . وقلنا
(كبروية) لأنّ الجهل بالأحكام الواقعية وبالأمارات هو مورد الأصول العملية ، فإذا
تحقّقت الصغرى ـ أي الجهل بوجود أمارات ـ جرت الكبرى كالبراءة .
النقطة الثانية : في التميـيز بين الأمارات
والاُصول العملية :
بعدما عرفتَ أنّ الحكم الظاهري
هو مؤدّيات الأمارات والوظائفُ العمليّة ، ففي حالة الجهل بالحكم الواقعي جَعَلَ
المولى تعالى ـ في المرحلة الاُولى ـ طريقاً لنا ، نـتبعُهُ ، لكي نصادفَ أغلبَ
الأحكام الواقعية ، وهو بعض الأمارات ـ كخبر الثقة الذي ينقل قول المعصوم أو فِعْله
أو سكوتَه وكظهور خبر الثقة في بعض المعاني وكقاعدة الفِراش ـ دون البعض الآخر من
الأمارات ـ كالشهرة ـ كما عرفنا مفصّلاً في الأبحاث السابقة .
وفي المرحلة الثانية ـ أي مع
عدم وجود أمارة حجّة ـ وَضَعَ لنا اُصولاً عمليّة نَرجِعُ إليها لبعض أسباب عند
الباري سبحانه وتعالى ، وهي ما يعبّر عنها السيد الشهيد الصدر بـ أهميّة المحتمل (كالتسهيل
على الناس) لأنّ تشريع براءة الذمّة مثلاً ـ في مقام الجهل بالحكم الواقعي وعدم
وجود أمارة حجّة ـ يكون للتسهيل والتيسير على الناس ، وهو أهمّ بنظر أرحم الراحمين
من الإحتياط ، لأنّ الإحتياط الدائم سوف يوقع المكلّفين في الحرج والضرر الشديدين
.
وحجيّة بعض الأمارات شرّعها
المولى تعالى لـ (قوّة الإحتمال) أي لقوة احتمال إصابة الأمارات الحجّة للواقع ،
لاحِظْ صحيحةَ أحمد بن إسحق التالية فإنّ الإمام (ع)
يريد أن يقول بأنّ العَمْري لأنه ثقة فقولُه إذَنْ ـ غالباً جداً ـ يصيب الواقع ،
ولذلك جعله الباري تعالى حجّة ، لكن ذلك بلحاظ مجموع أخبار الثقات في العالَم ، وفي
مجالَي الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية ، لا بلحاظ كلّ خبر خبر ، إذ في هكذا حالة يجب
أن نقول بلزوم أن يورث خبر الثقة عندنا الظنّ بصدقه ، وليس الأمر في آية النبأ
والروايات هكذا ، ولذلك لم نشترط حصولَ الظنّ بصدقه ، ولذلك أيضاً نقول بأنّ غالبـية
المصادفة للواقع إنما هو بلحاظ مجموع الروايات ، لا كلّ رواية رواية .
والحكمُ الظاهري الثاني ـ التي
هي مؤدّيات الأصول العملية التي هي وظائف عملية ـ شرّعه المولى تعالى لـ (أهميّة المحتمل) أي لأهميّة تشريع
استصحاب الحالة السابقة ـ مثلاً ـ من تشريع أصلٍ عملي آخر في هكذا حالة ، لأنّ
البناء على بقاء الحالة السابقة ـ لا الإحتياط مثلاً ـ هو الأنسبُ بالفطرة البشرية
.
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 607