اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 587
* * *
* *
الأمارة السابعة : السـيـرة
ذَكَرَ سيدُنا الشهيد بحْثَ السيرةِ هنا مع أنّ الصحيحَ
ذِكْرُها في بحوث وسائل الإثبات الوجدانية التي يجب أن تبدأ بـ بحث التواتر ، فبحثِ
الشهرة الروائية ، فالسيرة ، فالإجماع ، فالشهرة الفتوائية ... وذلك لأنّ التواتر
يكون حجّة إذا أورث القطعَ ، ثم نقول : وكذلك الشهرة الروائية إذا أفادت القطع ،
ثم نقول : وكذلك السيرة تكون حجّة إذا أورثت القطع ، ثم نقول : وكذلك الإجماع يكون
حجّة إذا أورث القطعَ ... أي نبدأ بالأقوى احتمالاً ثم الأضعف فالأضعف حتى نصل إلى
الشهرة الفتوائية التي هي ليست بحجّة .. ورغم وضوح وجهِ ما قلناه ، جارَيْناهُ
فجعلنا بحثَ السيرة هنا فنقول:
لا شكّ أنّ السيرة ـ سواءً كانت
سيرةَ العقلاء بما هم عقلاء أو سيرةَ المتشرّعة بما هم متشرّعة ـ لن تكون حجّةً
إلاّ إذا أورثت القطعَ برأي المعصومين (ع) ، ولا تكون السيرةُ المتشرّعية
حجّةً إلاّ إذا كانت متّصلةً بعصر المعصومين (علیهم السلام)
. وبتعبـير آخر : لم يَرِدْ في آية أو روايةٍ حجيّةُ السيرة بما هي سيرة ، إذن
علينا أن نقتصر على موارد حصول الإطمئـنان .
وأنت تعلم أنّ العقلاء بما هم
عقلاء ـ أي لا بما هم فسقة أو بما لهم من عادات وتقاليدَ باطلة ـ لا يعملون بما هو
غير عِلمي أو اطمئـناني ، وينبغي عقلاً أن يكون المولى تعالى مُقِرّاً للعقلاء على
سيرتهم وممضياً لهم على ذلك لأنه هو الذي خلق عقولهم وجعلها حجّة لهم وعليهم ،
ولذلك لا نرى في شريعة الله تبارك وتعالى ما هو مخالف للعقل ، ولذلك ترى أنّ
العقلاء بما هم عقلاء لا يعملون إلاّ بالفطريات والمسلّمات والأوّليات واليقينيات. فمثلاً : نحن نقول :
يجوز أن يدخل الإنسان ـ كالصياد مثلاً ـ إلى الأراضي الواسعة جداً الغير مسيّجة
والغير مزروعة ، دليلُنا سيرةُ العقلاء ، وحينما نقول بحجيّة الظهور دليلُنا أيضاً
سيرةُ العقلاء ، وحينما نقول بأنّ مَن حازَ مَلَكَ فدليلُنا أيضاً السيرةُ
العقلائية على ذلك ، هذا على صعيد الكبرى الشرعية .
وعلى صعيد الصغرى : حينما نقول بخِيار
الغبن يكون دليلُنا تباني العقلاء على اشتراط السلامة في المبـيع ، ممّا يشكّل
ظهوراً وشرطاً ضِمنيّاً بسلامة المبـيع ..
فمثلاً : حينما نقول بحجيّة
الظهور إنما نقول ذلك لأنّ العقلاء يعملون بالظهورات بفطرتهم ، وهي عادةً أو
غالباً تورث عندهم الإطمئـنانَ ، وقد سكت الشارعُ المقدّس عن تلك السيرة العقلائية
، فلو لم تكن حجّةً لَذَكَرَ ذلك في مئات الروايات ، وذلك ليَردع المتشرّعةَ عن
الأخذ بهذه السيرة العقلائية المبنيّة
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 587