اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 588
على فطرتهم وعقلائيّتهم ، وهكذا
الأمر في كلّ القضايا التي يعملها العقلاء بفِطرتهم والتي نعلم بوجودها في
عصر النصّ .
ولو كانت سيرتُهم بخلاف الفِطرة
لكان ذلك من الاُمور العجيـبة التي يجب أن تـنقَلَ في التاريخ ، فنحن نعلم أنّهم
لم يكونوا يمشون في الأسواق ـ حتى في عصر الجاهلية ـ عراةٍ أو بثوب واحد داخلي
صغير فقط ، وذلك لأنّ ذلك مخالف للفطرة البشرية ، مهما بلغوا من الفسق ، حتى ولو
مشى بعضهم هكذا ، ولكن ذلك حتماً لن يكون سيرةً عند كلّ الناس قاطبةً ، وإلاّ لَنُقِلَ
في التاريخ ، لأنه من الاُمور الغريـبة على الطبع الإنساني . المهمّ هو أنّ
الإنسان بطبعه يمشي على أساس الفطرة واليقين .
وبناءً على هذا ترانا في بحث
حجيّة خبر الثقة في الحلقة الثالثة نقول بعدم صحّة الإعتماد على السيرة العقلائية
التي قد يُدّعَى قيامُها على العمل بخبر الثقة ، فالعقلاء لا يعملون بالظنيّات ولا
بالتعبّديات ـ كالبـينة فضلاً عن خبر الثقة والظهورات ـ لا في أغراضهم الشخصية ولا
في أغراضهم الدينية ، إلاّ إذا خرج عن كونه ظنيّاً وصار يُوَرِّثُ الإطمئـنانَ .
* ثم إنه من الطبـيعي أنه قد يحصل
تشكيكٌ في بعض سيرتهم ، أو يحصل تغيّرٌ فيها ، نعطي على هذا خمسةَ أمثلةٍ فقط :
1 ً ـ لم يمكن لنا أن نـتمسّك
بالسيرة العقلائية أو المتشرّعية على إثبات العمل بخبر الثقة في الأحكام إنْ لم
يورث الإطمئـنانَ ، لأنـنا ـ رغم بحثـنا في التاريخ ـ لم يتّضح لنا سيرتُهم في ذلك
، فقد نُقِلَ الإجماعُ على العمل به ونُقِل الإجماعُ على عدم العمل به . وأمّا في
الموضوعات ، فإنه لم يكن يوجد سيرةٌ عقلائية على العمل بخبر الثقة في الموضوعات
إلاّ إذا أورث الإطمئـنان ، وذلك لأنّ العقلاء لا يعملون إلاّ بما يورث الإطمئـنان
، طبعاً إلاّ إذا كانت طبـيعة الموضوع لا تحتاج إلى العلم ، كما في هربِ العقلاءِ
لو قيل لهم "يوجد أسدٌ في هذه الغابة" ، فإنهم يهربون احتياطاً على
أنفسهم ، وكما لو قيل للصيّادين "يوجد طيورٌ في المنطقة الفلانية" فإنهم
يذهبون إليها احتياطاً لعلّهم يجدون مبتغاهم ، إذن هم يفرّون أو يذهبون لا من باب
التصديق التعبّدي ، وإنما من باب الإحتياط .. وأمّا بالنسبة إلى سيرة المتشرّعة في
الموضوعات ، فإنـنا نظنّ قويّاً بوجود سيرة متشرّعية في الموضوعات ، لكن لم يصل
ذلك إلى حدّ الإطمئـنان .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 588