اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 437
إلى ذوق الشرع
والثانيةُ أبْعَدَ ومستهجنة ، أو أنّ رواة الرواية الأولى معروفون بالفطنة والورع
والضبط وكثرة المزَكِّين وأعدليتهم وأعلميتهم بالرجال ، أو لكونه هو الذي سأل
الإمامَ مباشرةً فأجابه الإمام بالتـفصيل ممّا يعني أنّ الراوي عارف بتـفاصيل
الجواب وجازم به ، وقد يكون علماؤنا قد رجّحوا الراوي الفلاني لقُرْبِه مِنَ
الإمام ولمعروفيّة الراوي بالحفظ ولمعروفيته بالفقاهة ... على أيّ حالٍ فالإمام
يريد أن يقول "هناك حالات يحصل منها إطمئـنان عادةً" ، والشهرةُ
الروائيّة تورث الإطمئـنان عادةً . ثم لاحِظ استدلالَ الإمام (ع) بأمر بديهي
إرتكازي ـ وهو أنه لا
رَيبَ فيه
ـ على
حجيّة هذه الرواية المشهورة المعمول بها عند الأصحاب ، فاستعمل لبـيان بديهيّة عدم
الريـب حرْفَ الفاء للإستدلال على بداهة حجيّة الشهرة الروائية ، فقال فإنّ المجمع عليه ـ أي
الشهرة الروائية العظيمة ـ لا رَيبَ فيه أي لا رَيبَ فيه عقلاً .
فإن قلتَ : كيف تقول إنّ (منشأ
حجيّة الشهرة الروائيّة عقليّ لا تعبّدي) وقد لا يطمئنّ الإنسان بصحّة أو صدور
الروايات المشهورة ؟ إذن قُلْ (تعبّداً) لا (عقلاً) .
قلتُ : إعلمْ
أنّ مِن غيرِ الحكمة أن يوصل إلينا المعصومون (ع)
رواياتٍ مشهورةً في موضوعٍ ما ، ورواياتٍ قليلةً شاذّةً فيه ، ومع هذا يكون الصحيح
عندهم هو الروايات القليلة الشاذّة !! هذا أمر لا يصدر من ساحة حكمتهم قطعاً ، وقد
كانوا قادرين وبشكل طبـيعي جداً على إيصال ما يريدون إلينا بآلاف الروايات ، لا
فقط بمئات الروايات ، كما أوصل إلينا الكليني والصدوق وأبوه وغيرهم رواياتهم ، فكيف
بإيصال عشر روايات فقط مثلاً ؟! ولذلك فنحن نفهم من هذه المقبولة أنّ أئمّتـنا (ع) يريدون أن يقولوا لنا
"لا داعي أصلاً للتشكيك ، فإنّ الرواية التي اشتهر العمل بها عند الأصحاب هو
الحقّ واقعاً ولا رَيبَ فيه وهو أمْرٌ بين رشدُه ، فنحن لا نُضِلُّ شيعتـنا ، فلا
تأخذوا بالرواياتِ القليلة الشاذّة الغير مشهورةٍ ، فإنها إمّا بـينَةُ الغَيّ
والضلال وإمّا أنها مشكلة فقهية يُرَدّ عِلْمُها إلى الله تعالى ، وأنّ عليكم أن تـتبعوا
الروايات المشهورة عند الأصحاب .
فإن قلتَ : إنّ هذه الرواية
واردة في خصوص الدعاوى ، لا في استـنباط الأحكام الشرعيّة الكليّة .
قلتُ : هذا غير صحيح ، فإنّ
كلّ حاكم منهما حاول الإستـنباطَ من الرواية التي اعتمد عليها ، أي هو حاول الإستـنباط
ليُفتيَ بـينه وبين نفسه أوّلاً ، أي ليعرف الحكم الشرعي الكلّيّ أوّلاً ، ثم ليحكم
على أساس إفتائه .
* وبعد الذي عرفتَ صار واجباً علينا
أن نفسّر ما ورد في المقبولة من كلمة (مشهور عند أصحابك) أو
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 437