اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 436
مع أنهم يعلمون أنها
ليست حجّة بذاتها ، وإنما هي حجّة لما تورثه عادةً من اطمئـنان بصدور بعضها أو
كلّها ، فهي كالتواتر من هذه الناحية ، لاحِظِ الإمامَ الصادق (ع) كيف يعلّمنا
ـ في الصحيحة التالية ـ على الأخْذِ بما عمل به أصحابنا من روايات ، وكأنه يقول
لنا "إنهم لا يختارون إحدى الروايتين المتعارضتين دون الأخرى إلاّ لأسباب
وجيهة تورث الإطمئـنانَ عادةً" :
فقد رَوَى في الكافي
عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن داود بن
الحصين عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن رجلين من
أصحابنا بـينهما منازعة في دَين أو ميراث فتحاكما .. إلى أن قال : فإنْ كان كل
واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرَين في حقهما واختُلِف فيما حَكَما
، وكلاهما اختَلفا في حديثكم ؟ فقال : الحكمُ ما حكم به أعدلُهما وأفقههما وأصدقُهما في الحديث
وأورعهما ، ولا يُلتـفت إلى ما يَحكم به الآخر ، قال فقلت : فإنهما عدلان مرضيان
عند أصحابنا لا يَفْضُلُ واحدٌ منهما على صاحبه ؟ قال فقال : يُنظَرُ إلى ما كان مِن
روايتهما عنّا في ذلك الذي حَكَما به المجمعَ عليه عند أصحابك فيُؤخَذُ به مِن حُكْمِنا
ويُترَكُ الشاذُّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا رَيبَ فيه ،
وإنما الأمورُ ثلاثةٌ : أمْرٌ بين رُشْدُهُ فيُتَّـبَعُ ، وأمْرٌ بين غَيُّهُ فيُجتـنبُ
، وأمْرٌ مشْكِلٌ يُرَدُّ عِلْمُهُ إلى الله وإلى رسوله ، قال رسول الله صلى الله
عليه وآله : "حلالٌ بين ، وحرامٌ بين ، وشبُهاتٌ بين ذلك ، فمَن ترَكَ
الشبهاتِ نجا من المحرمات ، ومَن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يَعلم
.." [385] وهي مقبولة السند . ملاحظة : نَصَبْنا (المجمَعَ)
باعتبار أنّ (مِن) ـ في قوله (ع) (مِن روايتهما) ـ هي زائدة ، و(المجمَعَ) هي خبرُ (كان) ،
والمرادُ "يُنظَرُ إلى ما كانت روايتُها مجمَعاً عليها" .
إذن ليس المراد
من هذا الإجماع المذكور هو الشهرة الروائيّة بنحو الإطلاق ، وإنما المراد من الإجماع
المذكور في الرواية هو شهرة العمل بالرواية في مقام وجود معارِض للرواية المشهورة
، فإنّ الأصحاب اختاروا الأولى مثلاً ـ دون الثانية ـ لأسباب وجيهة ، من قبـيل أن
تكون الرواية الاُولى أشهرَ روايةً ، أي يؤيّدها بعض الروايات الأخرى ، والثانيةُ
لا مؤيّد لها من الروايات ، وقد يكون أصحابنا قد عملوا بالأولى لأقوائيّتها سنداً
ـ بعد الفراغ عن صحّة سند كلتا الروايتين ـ فقد تكون الأولى من الصحيح الأعلائي
دون الثانية ، أي أنّ رواة الرواية الأولى من أصحاب الإجماع ومن الفقهاء الذين
يـبعد فيهم الخطأ ، أي أن يكون رواة الرواية الأولى أعلمَ وأفقه من رواة الرواية
الثانية ، وقد تكون الرواية الأولى أقربَ