اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 405
الاُولى : عن حجيّة الأحكام
العقليّة ، والملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، بمعنى هل أنّ الأحكام العقليّة ـ
التي يُدركها العقلُ مع غضّ النظر عن الأدلّة الشرعيّة ـ حجّةٌ شرعاً أم لا ، وبتعبـيرٍ
آخر : هل هي مشرَّعةٌ وموجودةٌ في اللوح المحفوظ أم لا ؟
والثانية : في الردّ على
الأخباريين .
* أمّا
في النقطة الأولى : إيضاح بعض الأمور
قبل الإجابة على السؤال المطروح
فيها يجب أن نوضِّحَ بعضَ أمور ، وهي ما يلي :
1 ـ المراد من الأحكام العقليّة
في بحثـنا هنا هي الأحكام التي يَقطع بها العقلُ ، لا الأحكام الظنيّة كالقياس ،
فإنها لا يحكم بها العقلُ ، أي لا تكون دليلاً عقلياً .
2 ـ لا شكّ أنّ الأحكام الشرعيّة تـنشأُ
من المصالح والمفاسد ، ولا تـنشأُ جُزافاً من دون حكمة وملاك ، قال الله تعالى [إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِوَالإِحْسَانِوَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى،وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ
وَالْبَغْيِ ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)][349]، وعليه فإذا أدرك العقلُ
حُسْنَ فِعْلٍ مثلاً فهل يمكن الجزمُ بأنّ اللهَ تعالى قد شرّعه أيضاًً ، أم لا
يمكن الجزمُ بذلك ؟
إذَنْ ، المرادُ من السؤال
المطروح في بداية البحث هو بلحاظ التـقنين العملي وليس النظر إلى مرحلة المبادئ
التصوّريّة والأمور الغير قانونيّة ، فقد يُدرِكُ العقلُ على مستوى النظريّةِ بعضَ
أمور غير قانونيّة فلن تكون مشرّعة لا عند العقلاء ولا في اللوح المحفوظ قطعاً ،
كإدراكه أنّ الكلّ أكبرُ من الجزء وكإدراكه الهيآت والألوان والمصالح والمفاسد
والأمور الحسابـية نحو واحد زائد واحد يساوي اثنين ... فهذه خارجة من بحثـنا ،
لأنها ليست في مجال القانون ، وهذه يدركها العقل النظري فقط . نعم ، من الطبـيعي
أن يعتمد التـقنينُ على العقل النظري أيضاً ، فأنت لا يمكن لك أن تشرّع إن لم
تدركِ المصالحَ والمفاسد ، لكن عند التشريع يلاحظ المقنـنُ كلّ جوانب التشريع
والحُسْنَ والقبْحَ فيها وح يُشَرِّعُ ، وهنا يقولون بأنه شَرَّعَ مِن منطلق العقل
العملي ، وهنا تلاحظ أنّ أحكام العقل النظريّة لا تـقتضي بذاتها جرياً عمليّاً ،
بخلاف أحكام العقل العملي ، أي الأحكام التشريعيّة ، فإنها تـقتضي الجريَ العملي ،
كما لو أمرتَ ولدَك أن يشتري لك الخبزَ ، فأنت أدركتَ المصلحةَ في أكل الخبز بعقلك
النظري ، لكنك حينما أمرتَه بشرائه فأنت أمَرْتَه من عقلك العملي ، لأنك قِسْتَ
جميعَ جوانبِ المصالح والمفاسد والحسن والقبح فرأيت أنه ينبغي أن يشتري لك الخبز ،
وكذا القاضي المدني ـ أي الغير تابع لدين الله تعالى ـ