اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 406
حينما يشرّع قانوناً ما ، كقتْلِ
المجرِمِ الذي يرتكب الجُرْمَ الفلاني ، فهو ينظر إلى جميع الجهات ، وح هو يشرّع
من منطلق عقله العملي .
لكنْ في مجال التشريعات
الإلهيّة تَرَى المؤمِنَ يَحتملُ في الكثير من الحالات عدمَ إدراكه لكلّ المصالح
والمفاسد والحُسْن والقبح فيها ، لذلك تراه لا يدّعي وجودَ التشريع الإلهي الفلاني
الذي يدرك عقلُه ملاكَه بنسبة ظنيّة عالية ، بل تراه يشكّك كثيراً في بعض الموارد
مع أنه يرى أنّ المصلحة فيه . مثال ذلك : لو فرضنا أنـنا إذا قتلنا زيداً المسلمَ
وأخذنا منه قلبَه وكُلْيَتَيهِ وسائر أعضائه فسوف نحْيي مؤمنَين اثنين أو ثلاثة ،
وذلك بأن نستفيد من قلب زيد وكلْيَتَيه وغيرِ ذلك ، لكنْ مع ذلك مَنْ مِنَ العقلاء
ـ فضلاً عن المسلمين ـ يتجرّأُ أن يُفتيَ بجواز قتله لإنقاذ أكثرَ من مؤمن ؟!
مثال آخر : مَنْ يتجرّأُ مِنَ
المسلمين أن يفتي بجواز انـتزاع التـنفّس الإصطناعي من مريض يعيش عليه ، بحيث لو
نزعناه منه لمات ؟!
إذن لا يتجرّأ العقلُ العملي
بالإفتاء وادّعاءِ وجود تشريع إلهي في الكثير من الحالات ، لشعوره بالنقص والقصور
وبعدم إحاطته بتمام المصالح والمفاسد الواقعيّة .
وهنا قد يتساءل الإنسانُ : هل أنّ الله جلّ
وعلا حينما شرّع ركوعاً واحداً وسجدتين في الركعة الواحدة وحَرّمَ العكسَ ، وحينما
شرّع خمس قنوتات في الركعة الأولى من صلاة العيد وأربعاً في الثانية وحَرّم العكسَ
هل كان ذلك لحُسْنِ ذلك ذاتاً ، أو أنّ الله تعالى أراد أن يشرّع شريعةً يمتحن بها
عبادَه ؟ وبتعبـير آخر ، حين حرّم اللهُ تعالى الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن
والظلمَ ونحو ذلك فقد كان ذلك لقبحه ذاتاً ، وحين شرّع الصلاة بشكل إجمالي فقد كان
ذلك لحسنها ذاتاً ، لكنْ حين شرّع ركوعاً واحداً وسجدتين فهل كان هذا التشريع
لحُسْنِ ذلك ذاتاً ، أو لا ، لكنما أراد اختبارَ عبادِه وامتحانَهم على السير طبقَ
تشريعاته مهما كانت ؟
والجواب : هو أنـنا لا ندري
الجوابَ اليقينَ على ذلك ، إلاّ أنـنا نعلم أنّ الله تعالى حين يشرّعُ فإنما يشرّع
لحكمةٍ بالغة ، والمظنونُ قويّاً أنّ الله
حين يشرّع ركوعاً واحداً وسجدتين دون العكس فإنما كان ذلك لحُسْنِ ذلك ذاتاً ـ كما
يظهر ذلك من روايات معراج رسول الله wـ لكنـنا نحن القاصرين
لا ندرك حُسْنَ هذا وقُبْحَ ذاك . على كلّ ، فهذا بحثٌ لا يهمّنا لأنه عِلْمٌ لا
ينفع ، ويكفي أن نقول إنّ الله تعالى لا يشرّع من دون حكمة بالغة .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 406