اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 392
فالعقلُ يَحكم في هكذا حالة بلزوم
العتـق لتحصيل العلم بتحقيق الملاك وامتـثالِ التكليف ، وأمّا لو أطعم ولم يُعْتـق
فإنه لن يَعلم بتحقيق الملاك المطلوب ولا بتحقيق المكلَّف به ولا يأمن الضررَ
الأخروي .
فإن قلتَ : إنّ التعيـين هو قيد
زائد ، والبراءةُ تـنفيه ، وبتعبـيرٍ آخر : الشكُّ هنا هو في دوران الأمر بين الأقلّ
مؤونةً ـ وهو التخيـير ـ والأكثرِ مؤونةً وقيداً ـ وهو التعيـين ـ ، فتجري
البراءةُ في القيد الزائد المشكوك ـ وهو خصوصية التعيـين بالعتـق ـ بمعنى أنه بَعد
الإطعامِ هو يشكّ في أصل التكليف بالعتـق ، والمجرى البراءةُ عن العتـق . وبتعبـيـرٍ
ثالث : نحن نعلم بوجوب العتـق في حالة عدم الصوم والإطعام ، ونشكّ في وجوبه في
حالة الصوم أو الإطعام ، فنُجري البراءةَ عن وجوبه في حال الصوم أو الإطعام .وبتعبـير رابع : نحن
نحتمل عدمَ
ثبوتِ وجوب العتـق لمن أطعم ستين مسكيناً .
قلتُ : هذا التصوير للمسألة
غير صحيح ، وذلك لأنّ المعلوم في عالم الجعل هو وجوب الكفّارة ـ مثلاً ـ ومن
المعلوم أنها تسقط بالعتـق ، ونشكّ في سقوطها بغير العتـق ، والعقل يحكم في هكذا
حالة بلزوم الإقتصار على معلوم الإجزاء . ولك أن تـقول : التكليفُ هنا معلومٌ ـ
وهي الكفّارةُ ـ ، وسقوطُه بالإطعام مشكوك ، والأصلُ عدمُ سقوط التكليف بالكفّارة
.
أمّا قولُكم بأنّ التعيـين هو قيد
زائد ، والبراءةُ تـنفيه ، فهو خطأ ، فإنّ التعيـين هو القدر المتيقّن وليس قيداً
زائداً .
وأمّا قولُكم بأنّ الشكّ هنا هو من
باب دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر فهو أيضاً خطأ ، فإنّ مثال دوران الأمر بين الأقلّ
والأكثر هو كما لو شككنا بين مقدار ما علينا من قضاء بين السنة والسنـتين ، فإنـنا
نبني على السنة الواحدة ، لأنه القدر المتيقّن ، وتَجري البراءةُ عن الزائد
المشكوك ، مثال آخر : لو شككنا في مقدار ما اقترضناه من فلان بأنه ألف دينار أو
ألفين ، فإنـنا نبني على أنه ألف واحد ، وتَجري البراءةُ عن الألف الزائد المشكوك
، لأصالة عدم الزائد ، أمّا مسألة دوران الأمر بين التعيـين والتخيـير الشرعي فهي
مسألة أخرى ولا ربط لها بمسألة دوران الأمر بين الأقلّ والأكثرِ ، ففي مسألة دوران
الأمر بين التعيـين والتخيـير الشرعي ، هناك مكلَّفٌ به مشكوكُ السقوط ، وفي مسألة
الأقلّ والأكثر هناك شكّ في وجود تكليف زائد ، فالمسألتان مختلفتان .
وأمّا قولُكم بأنـنا نَعلم بوجوب
العتـق في حالة عدم الصوم والإطعام ، ونشكّ في وجوبه في حالة الصوم أو الإطعام ،
فنُجري البراءةَ عن وجوبه في تلك الحالة ، فهو أيضاً خطأ ، لأنّ الشكّ هو في سقوط
الكفّارة في حالة الصوم أو الإطعام ـ لا في وجوب العتـق في حالة الصوم أو الإطعام
ـ ، والأصلُ عدمُ سقوط الكفّارة .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 392