اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 389
وعليه ، فلو عجز الإنسانُ عن
بعض مصاديق الجامع ـ كالعتـق والصيام مثلاً ـ فلا يسقط الجامع ، وذلك لإمكان
تحقيقه بسائر مصاديقه كالإطعام . إذن ـ بناءً على الإحتمال الأوّل ـ لا ينبغي أن
نقول إذا أفطر الإنسان عمداً فإنه يجب عليه إمّا وإمّا ، كما لا ينبغي أن نقول ...
فإنه يجب عليه كذا أو كذا ، وكذا لا معنى لأن تـقول بأنّ الجامع الواجبَ هو
(أحدُهما) ـ الذي هو في الحقيقة نـفسُ المعنيـين السابقَين لأنّ معناه هذا أو ذاك
والذي يعني الفردَ المردّد حتى وإن سمّاه البعضُ بالجامع الإنـتـزاعي ـ فإنّ
التردّد في متعلّق الحكم أمْرٌ لا يُتعقّل ، فإنّ متعلّق الحكم يجب أن يكون واضحاً
لا مردّداً ، فإنّ الفرد المردّد كالعدم ، فإنه كقولك "أنا أعلم إمّا بوجود
زيد وإمّا بوجود عَمْرو وإمّا بوجود خالد" ، فهذا في الواقع جهْلٌ ، وإنما
تـقول أنا أعلم بوجود إنسان ، لكنّي أجهلُه بشخصه ، فإمّا أن يكون فلاناً وإمّا أن
يكون فلاناً ، والوجوبُ الشرعي التخيـيري لا يتضمّن الجهلَ أصلاً ، ولذلك ينبغي أن
نقول تجب عليه الكفّارةُ ، والكفّارةُ عبارةٌ عن الجامع بين كذا وكذا .
إذن بناءً على الإحتمال الأوّل
يكون مرجع الوجوب التخيـيري الشرعي إلى التخيـير العقلي بمعنى أنه وجوب واحد متعلق
بالجامع بين الشيئين أو الأشياء التي ذكرها لنا المولى وحدّدها لنا ، سواء كان هذا
الجامعُ جامعاً حقيقياً ، أو عنواناً انـتـزاعياً كعنوان الكفّارة أو الديّة ، كما
نقول : كفّارةُ الإفطار العَمْدي إحدى الخصال المعروفة ، لكنْ بمعنى الجامع لا
بمعنى الفرد المردّد ، وكما نـقول : دِيّةُ قتل المؤمنِ هي إحدى الأمور المعروفة ،
فخصالُ الكفّارات والديّات لا جامع حقيقيّ لها ، لذا كانت جامعاً انـتـزاعياً ،
وهذا لا يضرّ في وحدة الجامع طالما كان مقدار الكفّارات والديّات متساوية ومتـناسبة
، وهذا كافٍ في الجامعية ، فقد تـنـتَـزِعُ من زَيدٍ وعَمْرو جامعَ العالِمِ ، مع
أنه جامع عرَضي لا ذاتي ، وقد تـنـتـزع من الطير والسمك والحجر جامعَ البنّي ، مع
أنه جامع عرَضي انـتـزاعي . المهم هو أنه يجب أن يكون بين خصال المصاديق في الوجوب
الشرعي التخيـيري تـناسبٌ ووَحدةٌ في الملاك ووَحدةٌ في المحبوبـية .
إذن مرجع الوجوب التخيـيري
الشرعي هو إلى التخيـير العقلي ، وذلك لوجوب أن يكون بين مصاديق الوجوب الشرعي
التخيـيري جامع ولو عرَضي ، ولذلك لا يمكن أن تقول لخادمك "سيأتينا ضيوفٌ
ظهرَ اليوم ، فاذهب واشترِ اللحم ، أو نَم أو أدرس أو اخترع طائرة أو أكرم
زيداً" فليس بين هذه المصاديق أيّ مناسبة عقلائية لا بـينها وبين مجيء الضيوف
ولا بين أنفسها . ثم إنه لِمَ وجب هذا المصداق وذاك المصداقُ بعينهما في الوجوب
التخيـيري ؟! أليس لأنه هناك جامع بـينهما هو المؤثّر في صدورهما بعينهما ؟ أو
قُلْ : هل يمكن أن يجبا بعينهما من دون أيّ رابط بـينهما كجامع الكفّارة أو
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 389