اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 386
والثاني هو ما يمكن معه
التراجعُ فيه عن الحرام ، كالخطوات الأولى والمتوسّطة إلى الحرام ، فإنه قد يمشي
الشخصُ نِصفَ المسافة ثم يرجع عن نـِيّته السيئة ولا يُكْمِلُ طريقَه إلى الحرام .
هذه الخطوات إذا كانت مع قصد ارتكاب الحرام مبغوضةٌ نيّةً وقصداً ، طالما هو
متلبّسٌ بالمشيِ نحو الحرام ، ويستحقّ الإنسانُ عليها العقابَ ، إنما هذه
المبغوضيّة والحرمة واستحقاقُ العقاب هي من باب التجرّي لا من باب أنّ نفس هذا
المشيِ مبغوض وحرام وسبب لاستحقاق العقاب ، نعم ، إذا أكمل طريقَه حتى ألقَى
الشخصَ من الشاهق فح قد فَعَلَ الحرام وهو المقدّمة التوليديّة ، وهو الدفعة
الأخيرة التي تَوَلّد عنها القتلُ المبغوض ذاتاً .
وبتعبـيرٍ آخَر : مَن أخَذَ مسدّساً
ليَقتل شخصاً ظلماً فهو يستحقّ العقابَ عقلاً على أخذه للمسدّس ، ولكنِ استحقاق
العقاب هو من باب التجرّي على سوء نـِيّته ، فإذا ضغط على الزناد فهو الحرام لأنه
يتولّدُ منه القتلُ المبغوض ذاتاً ـ كما قال المحقّق النائيني[332] ـ ، ومن الخطأ أن
يقال "إنّ ضغْطه على الزناد هو جائز في نفسه ، وإنّ الحرام الفعلي هو دخول
الرَّصاصة في بدن المظلوم" ، فهذا خطأ ، وذلك لأنّ سبب التحريم النفسي وإن
كان هو مبغوضيّةَ القتل الظلمي ، ولكن فرقٌ بين موضوع التكليف والذي يقع تحت
اختيار الإنسان ـ والذي هو المقدّمة التوليدية للمبغوض ذاتاً ـ وبين السبب والغاية
من التكليف ـ كإتلاف النفسِ المحترمة ظلماً وعدواناً ـ . ولذلك لا يعقل أن يقال
"إنّ الضغطة على الزناد هي جائزة في نفسها ، وإنما الحرام هو خصوص ما يترتّب
عليها من إتلاف النفس المحترمة ظلماً وعدواناً" ، والسبب في ذلك هو أنه يجب
أن يقع موضوع التكليف تحت اختيار الشخص ، وإتلافُ النفس ظلماً ليس واقعاً تحت
اختيار الشخص ، وإنما الواقع تحت اختيار الإنسان هو الضغطة على الزناد التي هي
المقدّمة التوليديّة للمبغوض ذاتاً ، وبعد خروج الرَّصاصة لا اختيار للقاتل ،
ولذلك نقول بأنّ المحرّم هو الضغطة على زناد المسدّس ، والمبغوض النفسي الذاتي هو
إتلاف النفس المحترمة ، هذا الإتلافُ والموتُ لأنه لا يقع تحت اختيار الإنسان فهو
ليس محرّماً ذاتاً وإنما هو مبغوض ذاتاً ، وبعكسه تماماً الضغط على الزناد فهو
محرّم ذاتاً ومبغوض لغيره .
مثال آخر : شِرْبُ الخمرِ حرامٌ
نفسياً ، قرآناً وسُـنّةً وبالتسالم ، مع أنه لا مشكلة مع نفس شرب الخمر ، وإنما سبب
التحريم هو السكر العارض على الإنسان ، ومع ذلك حُرّم نفسُ شرب الخمر لأنه مقدّمة
توليدية للسكر ، ولذلك نقول : شرب الخمر حرام ذاتاً ومبغوض عرضاً ، والسكر هو
المبغوض ذاتاً ، وكذا الغِيـبة تماماً ، فإنها حرام نفسياً ، ولكن السبب والغاية
من هذا التحريم هي الخدشة بالمؤمن في
[332]
محاضرات في أصول الفقه
تـقريرات الشيخ محمد إسحق الفيّاض لدروس السيد الخوئي ج 2 ص 450 .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 386