اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 371
الأنصاري ـ فمثلاً : قولُ الشارع المقدّس
"إن استطعتَ فحِـجّ" الإستطاعةُ هنا تُـقَيِّدُ الحجَّ ، ولا يمكن
ثبوتاً أن تـقيِّد وجوبَ الحجّ ، وذلك بذريعة أنّ المعنى الحرفي ـ الذي هو مفاد
صيغة (حِـجَّ) ـ هو معنى جزئيّ ـ لأنه يربط بين المعاني الجزئيّة الذهنـيّة ـ فهو
إذن غيرُ قابل للتـقيـيد ، كما أنّ زيداً ـ لأنه جزئيّ ـ لا يَقبَلُ التـقيـيدَ ،
فإن كنت تعرف زيداً هل أنه هاشمي أو لا فإنك لا يصحّ أن تـقول "إن كان زيد
هاشميّاً فأكرِمْه" ، فإنّ زيداً جزئيّ فهو إذن مقيّد من جميع الجهات ولا
يوجد فيه جهة ناقصةٌ لتـقول إن كان هو كذا فافعل كذا ، كذلك المعنى الحرفي تماماً
، والذي يَقبل التـقيـيدَ هي فقط المعاني الذهنـيّة الكليّة . ولذلك اضطرّ الشيخ
الأنصاري إلى إرجاع الشرط إلى مادّة الحجّ ، ورأى أنّ وجوبَ الحجّ مطلقٌ أي غيرَ مقيّد
بالإستطاعة أي أنه فِعْلِيّ على كلّ إنسانٍ حتى قبل حصول الإستطاعة ، وأنّ الواجبَ
هو إيقاع الحجّّ عن استطاعة ، وهي تذكّرنا بمقالة صاحب الفصول حينما قال بالواجب
المعلّق على مجيء وقته .
*والجواب المعروف بين العلماء
هو أنّ المعاني الحرفيّة هي جزئيّة إضافيّة ، ولكنها ـ كالصور الذهنية ـ كليّة في
ذاتها ، فهي قابلةٌ للتـقيـيد .
أقول : إنّ قول الشارع
المقدّس (إنِ استطعتَ فحِـجَّ) فيه شيآن : الأوّل : تقيـيد الوجوب بـ (أنت) و
(الحجّ) ، والثاني : تعليق هذا الوجوب على الإستطاعة . أمّا الأوّل ـ وهو تقيـيد
الوجوب بـ أنت و بـ الحجّ ـ فهو أمر حاصلٌ وواقع بالوجدان ، والوقوعُ أدلُّ دليلٍ
على الإمكان . والثاني ـ وهو التعليق ـ فهو أيضاً أمرٌ واضح وجداناً ، وأيضاً نقول
هنا إنّ الوقوع أدلُّ دليل على الإمكان .
ففي الأوّل لا نلاحظ أيَّ مشكلةٍ
في تقيـيد الوجوب بـ أنت والحجّ ، ممّا يعني أنّ المفاهيم الذهنية قابلةٌ للتقيـيد
. وبـبـيان أوضح : إنّ مفهوم (حِـجَّ) و مفهومَ (إفعلِ الحجَّ) هما في الذهن بمعنى
واحد ، فكما يجوز تقيـيدُ الوجوبِ في الثاني بالتسالم ، يمكن تقيـيد الأوّل بوضوح
. وأمّا ما نُسِب إلى الشيخ الأنصاري من عدم إمكان تقيـيد الجزئيّات فهو صحيح في
الجزئيّات الخارجيّة لأنها لا مصاديق لها ، وذلك لأنها مقيّدة من جميع الجهات ،
فهي لذلك لا مصداق ثانيَ لها ، أمّا المفاهيم الذهنيّة فلم يقل أحدٌ في خلق الله
بأنها غير قابلة للتقيـيد ، بل بالوجدان نرى أنها تقيَّدُ كما رأيت في مثال
(حِـجَّ) ، فمفهوم صيغة (حجَّ) هو من قَبـيل الصور الذهنية التي تصلح للإنطباق على
كثيرين .
وأمّا الثاني فأيّ مانعٍ من تعليق
وجوب الحجّ ـ في مثالنا السابق (إنِ استطعتَ فحِـجَّ) ـ على خصوص المستطيع ؟! وأين
التـقيـيد للجزئي هنا ؟! لا ، بل إن جاز التـقيـيدُ للمعنى الذهني الجزئي ، فبطريق
اَولَى أن يجوز تعليقُ الوجوب على الإستطاعة . وبتعبـيرٍ آخر : صحيح أنّ الوجوب
المستفاد من (حِـجَّ)
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 371