اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 370
وقد يكون وجوبٌ ما مطلقاً من
جهةٍ ومشروطاً من جهةٍ اُخرى ، كنفسِ وجوب الحجّ المشروط بالشروط المذكورة فإنه
مطلق بالنسبة إلى الزوال مثلاً ، وكوجوب الصلاة ، فإنه مطلَقٌ بالنسبة إلى القدرة
على الصيام ، ومقيّد بالنسبة إلى الزوال ، وهذا يعني أنّ الإطلاق والتـقيـيد أمران
إضافيّان ، فوجوبُ الحجّ مطلَقٌ بالنسبة إلى شيءٍ ومقيّدٌ بالنسبة إلى شيء آخر .
وقد يكون متعلّق الحكم
مطلقاً
وهو كالواجب الغيرِ مقيّدٍ بقيدٍ ، ومثاله ما لو قال لك المولى "أكرمِ
العالِمَ" ، فإكرامُ العالِمِ غيرُ مقيّدٍ بكونك طاهراً أو مستـقبِلاً للقبلة
أو نحو ذلك ، ومثاله أيضاً الصلاة الواجبة ، فإنها غير مقيّدة بلباس معيّن اللون
أو الطول أو بكون تمشيطة الشعر بالكيفيّة الفلانـيّة ، وقد يكون متعلّق الحكم مشروطاً وهو كالواجب المقيّد
بقيد ما ، كالصلاة أيضاً فإنها مقيّدة بالطهارة والإستـقبال والستر ، وكما في حرمة
سرقة غير الناصبـي ، وكما في جلد الزاني مئة جلدة ، فإنه مشروط بكونه مئة جلدة ،
وكما في استحباب صلاة الليل ، فإنها مشروطة بإيقاعها بعد منـتـصف الليل .
ثم اعلم أنه لا يوجد حكم مطلَقٌ
من جميع الجهات ، وإنما هو مقيّد بـبعض أمور بديهيّة كالعقل والبلوغ والقدرة ـ وهي
ما يعبَّرُ عنها بالشرائط العامّة ـ ، وهذه بما أنها من الواضحات جدّاً فقد لا
يذكرها العلماء في المشروط ، فيقولون مثلاً (العدل واجب) مطلَقٌ ، مع أنه مقيّد
بالأمور الثلاثة المذكورة ، فالطفل الصغير والمجنون غير مكلّفَين بالعدل ، والعاجزُ
عن العدل ـ كالقاضي المجتهد الجاهلِ بالواقع ـ غيرُ مكلّفٍ بالعدل . ولذلك قالوا ـ
كصاحب الكفاية ـ بأنّ الإطلاق الحقيقي إنما يكون بلحاظ بعض القيود ، فمثلاً قول
الشارع المقدّس (الصيام واجب) رغم أنه مشروط بطلوع الفجر من شهر رمضان وبالسلامة
هو مطلق بلحاظ الزوال والإستطاعة الماليّة إلى الحجّ ، وحُكْمُ (الصلاة واجبة) رغم
أنه مقيّدٌ بالزوال مثلاً هو مطلَقٌ بلحاظ القدرة على الصيام وبلحاظ الإستطاعة
الماليّة إلى الحجّ ، وهكذا . وبتعبـير مختصر : إذا لُوحِظَ شيءٌ مع شيء فإمّا أن
يلاحَظ أحدُهما مطلَقاً بالنسبة إلى الآخر فهو إذن مطلق من هذه الجهة ، وإمّا أن
يلاحظ مقيّداً به أو بعدمه ، فهو إذن مقيّد .
ولعلّك لاحظتَ أيضاً ـ ممّا سبق
ـ أنّ الحكم هنا المرادُ منه التكليفي والموضوعي .
* والمهمّ في هذه المسألة هو النظر
إلى ما نُسِبَ إلى الشيخ الأنصاري حيث ادَّعَى صاحبُ التـقرير[321] ـ على ما ذَكَرَ صاحبُ
الكفاية ـ أنه قال إنّ الشروط الواقعة في القضايا الشرطية الشرعيّة إنما تـقيّد
متعلّقاتِ الأحكام ، ولا تـقيّد نفسَ الأحكام ، بخلاف ما هو الظاهر عرفاً ـ
باعتراف نفس الشيخ
[321]
والناسِبُ هو العلاّمة الميرزا أبو القاسم النوري في التـقريرات المسمّاة مطارح الأنـظار ص 45 ـ 46 .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 370