اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 355
* التميـيز
بين الواجبات النـفسيّة والواجبات الغَيريّة
لا شكّ أنك تعرف الفرقَ بين الواجب
النفسي والواجب الغَيري ، فقد قالوا إنّ الواجب النفسي هو ما يكون محبوباً
ومطلوباً وواجباً بحدّ ذاته لما يترتّب عليه من فوائدَ ومصالحَ في نفسه مع غضّ
النظر عن غيره ، كمعرفة الباري عزّ وجلّ والصلاة والصيام وأداء الدَين ، إذن
فالواجب النفسي هو ما يكون وجوبه ابتدائيّاً ـ لا تـَبَعي ـ أي غيرَ مترشِّحٍ من
وجوب آخر .
وأمّا الواجبُ الغَيري فهو الذي
يكون الداعي إليه التمكّنَ من الإتيانِ بالواجب النفسي لتوقّفه عليه، كالسير إلى
الحجّ والوضوء للصلاة، فإنهما نشآ من ملاك الواجب النفسي ، لا من مطلوبـيتِهما
الذاتيّة ، فإنّ المكلّف إنما يسير إلى الحجّ ويتوضّأ ليتمكّن من الإتيان بالواجب
، أو قُلْ ليتهيّأ للإتيان بواجبٍ آخر ، ولذلك نقول إنّ الواجب الغيري هو الذي
يكون وجوبُه العقلي مسبـباً عن وجوب الغَير ومعلولاً له ومُتَرَشِّحاً منه ، ولذلك
إن لم يُصَلِّ الإنسانُ مثلاً ولم يحجَّ فإنه لا يستحقّ العقابَ على ترك الوضوء
والسير إلى الحجّ ، وذلك لما قلناه من أنّ الواجب الغَيري هو ما وجب عقلاً ـ لا
شرعاً ـ لغيره ، ودليلُنا على أنّ وجوبه عقليّ لا شرعيّ هو أنه لا مطلوبـية
ذاتيّة لِفِعْلِه ـ لولا إرادةُ الإتيان بالواجب النفسي ـ وأنّ تشريع وجوبِه ـ حتى وإن كان لا
تَكَلُّفَ في التشريع ولا تجشّم عناء لأنه مجرّد معلومات في علم الباري عزّ وجلّ ـ
هو
مجرّد لغْوٍ محض ، وأنه
لا عقابَ على تركه فيما لو ترك الواجبَ النفسيّ ، وذلك لأنه متمحّضٌ في الغَيريّة .
وعلى هذا الأساس قد يقال بكون
العبادات كلِّها واجباتٍ غيريّةً ، فالصلاةُ واجبةٌ للوصول إلى مراتبَ عالية ، قال
الله تعالى [ اُتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ،وَأَقِمِ الصَّلاةَ ، إِنَّ الصَّلاةَ تـنهَى عَنِ الفَحْشَاءِوَالْمُنكَرِ ، وَلَذِكْرُ اللهِ
أَكْبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْـنَعُونَ (45)] [301]ولأنها معراج المؤمن ،
وكذا الصيام ، لقوله تعالى [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تـتـقونَ (183)] [302] ... ومثلُهما سائرُ
العبادات .
والجواب هو أنّ غايات العبادات
لم تكن محطَّ نظرِ المولى تعالى في الإيجاب ، خاصةً إذا صَعُبَ الوصولُ إلى
الغايات المذكورة ، ولذلك لو لم تَعْرُجِ الصلاةُ بـبعض المصلّين إلى المراتب
العليا لكانت صلاتُهم ـ رغم ذلك ـ صحيحةً ، ولو صام الشخصُ ولم يَصِرْ تـقيّاً
لصحّ صومُه أيضاً ... نعم الوصولُ