اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 354
مثال آخر : الكذبُ ـ ذاتاً أي
بالعنوان الأوّلي ـ مبغوضٌ وحرام ، لكنْ في الضرورة قد يصير واجباً جعْلاً
وفِعْلاً ، بسبب الكسر والإنكسار في مرحلة الملاك ، ومع ذلك يـبقى مبغوضاً ملاكاً
دائماً أي حتى في حال الضرورة ، وكذلك الأمْرُ في الصدق تماماً ، فنقول : الصدقُ
ذاتاً حَسَنٌ جدّاً وفي كلّ الحالات ، لكنْ عند التشريعِ ينظر الشارعُ المقدّس إلى
مجموع المصالح والمفاسد فيجعل الحكمَ الشرعي على أساس النـتيجة . وكذلك يفعل كلّ
العقلاء ، فلو كان السلطان الظالمُ يريد قتْلَ المؤمنِ الفلاني ، وهذا المؤمِنُ
مختبئٌ عندك ، فلو سألك الظالمُ عنه هل أنه موجود في بـيتك وقلتَ الصدقَ لأخَذَهُ
وقتَلَه ، فالكذبُ في هكذا حالة وإن كان قبـيحاً ذاتاً ، ولكنه بلحاظ مجموع
المفاسد والمصالح واجب على صعيد الحكم ، أي بعد الكسر والإنكسار بـينهما ، والصدقُ
وإن كان حسناً جداً في ذاته ، لكنه قد يصير في هكذا حالة حراماً ويَذِمُّ عليه
كلُّ الناس ، ولا نقول يصير الصدقُ قبـيحاً في حال الضرورة ، وذلك لأنّ الحَسَنَ
ذاتاً لا يصير قبـيحاً .
وبما أنّ الجعل يكون بعد الكسر
والإنكسار في مرحلة مبادئ الحكم فإنّ الشارع المقدّس ينظر في مرحلة الملاك إلى
المصالح والمفاسد في الفعل ثم يتوّلد الحُسْنُ والمحبوبـية أو القبح والمبغوضيّة ،
ولذلك فقد يأمر المولى بشيئ مع أنّه قد يشوبه شيء من القبح كالجهاد في سبـيل الله
وما يترتّب عليه من قتل وجرح ودمار في سبـيل الله جلّ وعلا ، وقد يَنهَى عن شيءٍ مع أنه قد يشوبه شيءٌ من المنفعة أو اللذّة للإنسان ،
كشرب الخمر والغناء .
ولذلك فأكْلُ الميتةِ مبغوضٌ
ذاتاً حتى في حالات الضرورة ، ولكنه مع ذلك قد يصير واجباً بلحاظ مجموع المفاسد
والمصالح ، أي بلحاظ النظر إلى وجوب حفظ النفس ـ ولا نـقول يصير أكْلُ الميتةِ
محبوباً ـ لأنّ المبغوض الذاتي لا يصير محبوباً حتى في حال الضرورة .
والنـتيجةُ هي أنه قد تكون مقدّمة
الواجبِ مبغوضةً ذاتاً أي بالعنوان الأوّلي ـ كأكْلِ المَيتة ـ ومع ذلك بعد الكسر
والإنكسار قد تصير واجبةً في الضرورة ، أي بلحاظ النظر إلى حال الضرورة وتلف النفس
، وذلك لأنّ الجعولات تـترتّب على مجموع المصالح والمفاسد وبعد الكسر والإنكسار بـينها
، فقد يتغيّرُ الجعلُ عن الملاك الذاتي الأوّلي فيصير أكْلُ الميتةِ واجباً جعْلاً
وفِعْلاً لدفع الأسوأ ـ وهو تلف النفس ـ بالسيّئ ـ وهو أكْلُ الميتةِ ـ .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 354