اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 349
يشرّع باختياره ، لا بالقهر . نعم
لا شكّ في حكم العقل بلزوم الإتيان بالسير لتوقّف الواجب عليه ، وبهذا ينبغي أن
يفسَّرَ الوجوبُ التبعي للواجب ، إذن وجوبُ المقدّمة عقليّ ، ولا يمكن ـ ثبوتاً ـ
أن يكون شرعيّاً ، لأنه سوف يكون لغواً محضاً أو قهْرِيّاً على المولى تعالى ،
وكلاهما غير ممكنَين .
فإن قلتَ : بل يجب أن يكون
واجباً شرعاً ، وذلك لوجوب وجود ملازَمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، بدليل أنّ
العقل حجّة مِنَ الله لنا وعلينا ، واللهُ جلّ وعلا عاقلٌ ، بل هو رئيس العقلاء ،
ولذلك إذا كان أمرٌ معيّن ثابتاً عقلاً فيجب أن يكون ثابتاً شرعاً أيضاً ؟! ثم كيف
تـقول : إنه لغوٌ بذريعة أنه لا بدّ منه ؟! إذن قُلْ : إنّ نصف الأحكام الشرعيّة
لغو أيضاً لأنها واضحة جداً عند العقلاء ولا بدّ منها ! من قبـيل وجوب العدل وحرمة
السرقة والخيانة وشرب الخمر ... !! مثال آخر : لو فرضنا أنّ قاعدة الإستصحاب ـ
التي هي الأساس الشرعي لقاعدة الإشتغال ـ غير مشرّعة ، وقلنا بأنّ العقل يحكم
بأصالة الإشتغال ـ كما هو مسَلّم ـ ألا نقول : يجب أن تكون أصالة الإشتغال شرعيّة
أيضاً ؟ على أنّ الجعولات الشرعيّة ليست إلاّ معلومات في علم الله سبحانه وتعالى ،
فأيّ لغوٍ إذا قلنا بأنّ أصالة الإشتغال شرعيّةٌ أيضاً ؟! مع أنه لا تَكَلُّفَ في
وجود معلومات في عِلْمِ الله سبحانه ولا تجشّمَ عناءٍ في تشريع حُكْمٍ ما ، فليكن
الأمرُ كذلك في مقدّمة الواجب .
قلنا : ما ذُكِرَ جيدٌ ،
إلاّ في الفرق بين أصالة الإشتغال وبين مقدّمة الواجب ، ففي أصالة الإشتغالِ
المصلحةُ في نفس تشريع أصالة الإشتغال موجودةٌ قطعاً ، كما نقول المصلحة موجودة في
نفس تشريع الإستصحاب والحِلّ والبراءة ، فيجب أن تكون أصالة الإشتغالِ مشرّعةً
أيضاً في اللوح المحفوظ ، أمّا في مقدّمة الواجب فلا مصلحة في تشريعها بحدّ ذاتها
وذلك لعدم محبوبـيتها بحدّ ذاتها ، فكيف يُوجِبُها اللهُ جلّ وعلا بنفسها وهي ـ من
حيث هي مقدّمة ـ غير مطلوبة في نفسها ؟!
* وأمّا
مثل الوضوء، فهل هو واجب غَيري شرعي أو عقلي أو ماذا؟
الجواب : لا شكّ في أنّ
الوضوء مستحب في نفسه لقوله تعالى [ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ ، قُلْ : هُوَ
أَذًى ، فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِوَلاَتـقرَبُوهُنَّ
حَتَّى يَطْهُرْنَ ، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ
اللهُ ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابين وَيُحِبُّ
المُـتَطَهِّرِينَ (222)] [295] وللروايات المستـفيضة
في ذلك من قبـيل أنه نور على نور وو ... ، ولكنْ هذه الأدلّةُ تـفيد استحباب الكون
على طهارة ، وكلامنا الآن هو في