اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 348
هل هو الوجوب أم الإستحباب مثلاً ،
وبحْـثُـنا في مسألة (مقدّمة الواجب) بعيدٌ عن طريقة البحث الفقهي ، فنحن لا نبحث
ـ في مسألة (مقدّمة الواجب) ـ عن حُكْمِ مقدّمة الواجب من الجنبة المذكورة أصلاً ،
وإنما نبحث فيها بحثاً عقلياً كلّياً ، أي نبحث عن وجود ملازمة عقليّة بين وجوب
الشيء ووجوب مقدّمته شرعاً ، ومع غضّ النظرِ عن نفس الواجب ، فقد يكون الصلاةَ ،
وقد يكون الحجّ ، وقد يكون الصيامَ ، وقد يكون غيرَ ذلك . لذلك كان من الخطأ أن
نُعَنْوِنَ البحثَ بعنوان (هل مقدّمة الواجب واجبةٌ شرعاً ؟ ) فإنّ هذه العبارةَ
تُوهمُ أنّ البحث فقهيّ ، وقد عَلِمْتَ أنّ البحث في مسألة مقدّمة الواجب هو عن
وجود ملازمة عقلية أوّلاً ، وثانياً : المسألةُ فيها كُلّـيّـة . نعم ، البحثُ
الأصولي يَصبّ أخيراً لصالح الفقه لأنه يُثْبِتُ الوجوبَ الشرعي للمقدّمة الفلانيّة
أو يَنفيه ، لكنْ مع ذلك مسألةُ مقدّمة الواجب هي أصوليّة بلحاظ أصل البحث
وكيفيّته حتى وإنِ اتّحدتِ النـتيجة .
*
هذه المسألةُ عقليّةٌ لا لفظيّة
تساءل بعضُ الناسِ عن
حُكْمِ مقدّمة الواجب شرعاً فقالوا : هل يَدِلّ الأمْرُ بشيءٍ على الوجوب الشرعي لمقدّمته
أم لا ؟ لذلك جعلوا هذا البحثَ في مباحث الألفاظ ، والصحيح أن يُجعل في
المباحث العقليّة ، وذلك لوضوح عدم دلالة الأمْرِ على الوجوب الشرعي لمقدّمته ، وإنما
يدلّ الأمْرُ على طلب الطبـيعة ، ولا يَنظُرُ إلى الوجوب الشرعي لمقدّمته ، وإنما
قلنا إنّ الصحيح هو جعْلُه في المباحث العقليّة لأنّ السؤال في هذه المسألة ـ كما
سترى من أدلّة القوم ـ هو : هل الأمْرُ بشيءٍ يستلزم عقلاً الأمرَ الشرعي
بمقدّماته أم لا ؟ طبعاً بعد التسليم عند كلّ الناس بوجوب المقدّمة عقلاً ، فإذا
أوجب المولى الحجَّ فقد وجب السير إليه عقلاً ، لكن ـ كما قلنا ـ ليس كلام أحد في
الوجوب العقلي ، وإنما هو في وجوب المقدّمة شرعاً .
وبتعبـير آخر : حينما أوجب
اللهُ تعالى الحجَّ هل قال في عالَم الجعْلِ "ويجب السيرُ إليه أيضاً "
؟ قطعاً لا ، لأنه لغْوٌ محض ، وإذا سألتَ النبي عن وجوب السير إليه لأجابك النبي :
قطعاً يجب السير إلى الحج ، وإلاّ فكيف تحجُّ إن لم تذهب إليه ؟! ولذلك قيل : إنَّ وجوبَ المقدّمة
تبعي لوجوب ذيها ، بمعنى أنّ وجوبَها معلولٌ لوجوب ذيها ، ومعلول الوجوب الشرعي هو
شرعي !!
فأقول : ما استـنـتِجَ غيرُ
صحيح ، فإنه لا يمكن أن يُنـتِجَ الوجوبُ الشرعيُّ للحجّ ـ مثلاً ـ وجوباً شرعيّاً
للسير إليه ، وإلاّ لكان الوجوب الشرعيّ للسير قَهْرِيّاً على المولى تعالى ، وهذا
لا يمكن ، لأنّ الله تعالى
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 348