اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 323
~/div~
فَصْلٌ
: هل يجوز عقلاً أمْرُ الآمِرِ مع عِلْمِه بانـتـفاء شرط التكليف ؟
هل يجوز أمْرُ الآمِرِ ـ ولو
بنحو إعطاء قانون عام ـ مع عِلْمِ الآمِرِ بانـتـفاء شرط التكليف كالقدرة والعِلْم
، فقد يكون بعضُ المأمورين جاهلين بالحكم الشرعي ، فلا يمتـثلون من باب الجهل ، لا
من باب المعصية ؟ وبتعبـير آخر : هل يمكن الإلتزام بجواز أمْرِ الآمِرِ مع علم
الآمِرِ بانـتـفاء شرط التكليف كما إذا أراد الآمِرُ من الأمرِ بعضَ دواعٍ
عقلائيّة ، كأنْ يريدَ إظهارَ شدّةِ أهميّةِ الأمر ، أو كأنْ يريدَ امتحانَ العبد
، ولا يريد الفِعْلَ جداً ؟
قبل الجواب على السؤال
يجب أن نَذْكُرَ كلمتين :
الاُولى : إنّ المراد من
الجواز هنا هو الجواز الوقوعي ، لا الجواز الذاتي ، فإنه يمكن للمولى أن يأمر
عبدَه بالمستحيل ، كأن يأمره بالطيران في السماء ، إذن يجوز ذاتاً أن يأمر المولى
عبدَه بالمستحيل ، لكنَّ الأمْرَ بالمستحيل لا يصدر ـ على مستوى الوقوع ـ من
الآمِر الحكيم .
والثانية : ليس مرادنا من الأمر
في هذا البحث هو الأمر الصادر من المولى للإستهزاء أو التعجيز أو السخرية أو
التحدّي ونحو ذلك ، وإنما مرادنا من الأمر هنا هو الأمر الحقيقي المرادُ منه البعث
الجدّي .
وبعد هذا نـقول في
الجواب على السؤال السالف الذكر :
إنه لا شكّ في أنه يَقبح على
المولى أن يأمر عبدَه بأمْرٍ مستحيلٍ عليه وهو يريد منه الإمتـثال وهو يعلم أنّ العبد سوف يَعجز عن امتـثال الأمر ، ولو لِجَهْلِه
بالحكم الشرعي ، فإنه لا يمكن أن يأمر المولى الحكيمُ بفعلٍ مع عدم قدرة العبدِ
عليه ، أو مع جهله بالحكم ، ولذلك نقول القدرةُ والعلم شرطان عامّان في مرحلة
الإمتـثال . نعم ، يمكن أن يأمر المولى الحكيمُ عبدَه بفِعلٍ ـ وهو يَعلم بعدم
قدرته عليه ـ وذلك لأسباب وجيهة ، كإظهار شدّة أهميّة الحكم ، فيكون الوجوب
فعليّاً ولكن ليس منجّزاً ، وذلك كما ورد في قوله تعالى [وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ
كَافَّةً [273] فإنّ الله تعالى يعلم
أنـنا غيرُ قادرين على الإمتـثال ومع ذلك أمَرَنا ، وليس ذلك إلاّ لفوائدَ ،
كإظهار شدّة أهميّة الحكم وفعليّتِه وأنهم مراقوا الدم ولا دِية لهم ...