اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 319
كالعدل ، وليس الكذب كالظلم ،
بدليل أنّ الصدق قد يكون عدلاً وقد يكون ظلماً ، ولذلك يمكن تخصيصهما .
ثم اعلم أنّ الله جلّ وعلا لا
يمكن أن يَصدر منه إلا ما يناسب العقلَ ، ولا يمكن أن ترى حُكْماً إلهياً يخالف
العقلَ ، ولذلك ترى الباري
يفعل الأصلحَ لعباده ، حتى ولو عذّبهم ، فإنه يقاصصُهم ليحيـيَهم ، قال تعالى [وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ
يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [268] ،
ولا يمكن أن يصدر من الجميل إلاّ الجميل ، ولكنـنا لا نعلم بكلّ أسرار أعمال الله
كالزلازل والأمراض ، وقد نعلم بعضها كما عَلِمْنا مِن قول نبيِّ الله نوح tسرَّ وسببَ الطوفان ، قال tإِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ
وَلاَيَلِدُوا إِلاَّ
فَاجِراً كَفَّاراً] [269] .
قاعدة استحالة التكليف بغير المقدور
من الاُمور المسلّمةِ عقلاً
عدمُ جوازِ تكليف الآمِرِ الحكيمِ مأمورَه بما لا قدرة له عليه ، وإنما يجب أن
يكون المأمورُ به مقدوراً عليه عقلاً وشرعاً ، حتى ولو كان المأمورُ به محبوباً
جدّاً عند المولى ، فإنّ له أن يـبدِيَ ذلك ، ولكن ليس له أن يُكَلِّفَ مأمورَه
بما لا طاقة له به . بل لا يحسن التكليف بالأمور المحرِجة ، إلاّ إذا كانت المصلحةُ
أهمّ من الوقوع في الحرج . وهكذا الأمر في الاُمور الضرريّة ، فإنه لا يجوز أو لا
يحسن ـ على اختلاف درجات الضرر ـ أن يكلّف المولى الرحيمُ عبـيدَه بذلك ، إلاّ إذا
كانت المصلحةُ أهمَّ مِن مفسدة الضرر ، كما في الأمور المبنيّة على الحرج أو الضرر
ـ كما في الجهاد أو الخُمس أو الزكاة أو الصيام ـ . فمثلاً : لا يصحّ أن يأمر
المولى تعالى مأمورَه بإنقاذ الغريق وبالصلاة في نفس الوقت إن لم يمكن الجمعُ بـينهما
خارجاً ، أو بإنقاذ غريقين في نفس الوقت إن لم يمكن ذلك ، أو أن يحرّم التصرّفَ في
المغصوب ويوجبَ الصلاةَ فيه !
نعم يجوز الحبُّ والتمنّي ، كأن
يتمنَّى الإنسانُ أن يكون أعلمَ وأغنى وأكمل وأجملَ إنسانٍ على وجه الأرض ، فهكذا
حبٌّ ممكنٌ ، وذلك إذا كانت المصلحة بنظر المحِبّ تامّةً ، ويمكن للمولى إظهار ذلك
بطريقة ما ، ولو بصيغة الأمر ، لإظهار شدّة أهميّة القضيّة ، لكنْ كلامُنا في صدور
جعْلٍ