لا شكّ أنك تعلم أنّ المراد من
المباحث العقلية والقضايا العقلية هي التي يحكم بها العقلُ السليم ، ومن أهمّ
القضايا العقلية هي (العدلُ حَسَنٌ) و (الظلمُ قبـيح) ، وهتان القضيّتان بما أنهما
من أحكام العقل فلا يمكن تخصيصُهما ، ولا في مورد واحد ، فلا يمكن أن يكون العدلُ
حَسَناً إلا في مورد واحد فإنه فيه قبـيح ، كما لا يمكن أن يكون الظلمُ قبـيحاً
إلاّ في مورد واحد ، فإنه فيه حَسَنٌ ، وذلك لأنه إن كان الحَسَنُ في ذلك المورد
قبـيحاً فهذا يكشف عن خروجه عن كونه حَسَناً وصيرورتِه ظلماً وبالتالي قبـيحاً ، ولذلك
قال جميع العلماء قاطبةً بأنّ الأحكام العقلية لا تقبل التخصيصَ .
فإنْ قلتَ : قضيتا "الصدقُ
حَسَنٌ" و "الكذبُ قبـيح" قضيتان عقليتان ، ومع ذلك تقبلان التخصيص
، فنقول : الصدق حسن إلاّ في بعض الموارد فإنه يكون قبـيحاً ، وكذلك الكذبُ قبـيحٌ
إلاّ في بعض الموارد فإنه حَسَنٌ ، فكيف تقول بأنّ الأحكام العقلية لا تقبل
التخصيص ؟!
قلتُ : قضيتا "الصدقُ
حَسَنٌ" و "الكذبُ قبـيح" ليستا قضيتين عقليتين ، لأنّ الصدق ليس
عدلاً دائماً ، وإنما أغلب الصدق عدلٌ وبعضه قبـيح ، ولذلك يمكن تخصيصُهما بمواردَ
يكون فيها الصدقُ قبـيحاً والكذب حسناً ، كما لو جاءك سلطانٌ جائرٌ يريد أن يقتل
مؤمناً ظلماً وعدواناً وسألك عن مكانه ، وأنت تعلم مكانَ وجوده ، فلو صدقتَ وأخبرتَه
لكنتَ شريكاً له في القتل ، فيقبح ح إخبارُه بالحقيقة ، ويحسن الكذبُ عليه عقلاً ،
للزوم تقديم الأهمّ على المهمّ . ومرجع كلامنا هذا إلى نفس القضيتين السالفتَي
الذكر ـ وهي أنّ (العدل حَسَنٌ) و (الظلمُ قبـيح) ـ وإلى أنّ العدل هنا يقتضي أن
تخلِّص المؤمنَ من ظلم السلطان الجائر ، فيقتضي الأمرُ عقلاً أن تكذب على السلطان
الجائر وإلاّ كنت ظالماً للمؤمن عقلاً ، وبالتالي يكون حُكْمُ صِدقِك هو القبح .
إذن ليست قضيتا "الصدقُ حَسَنٌ" و "الكذبُ قبـيح" قضيتين
عقليّتين ، لأنّ الصدق قد يكون حسناً وقد يكون قبـيحاً ، فليس الصدق
[267]
بما أنّ المباحث العقليّة
هي من فروع أبحاث القطع ، لأنّ مباحث القطع والمباحث العقليّة متساوقان تماماً ،
جعلنا المباحث العقليّة بعد مسائل العلم الإجمالي .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 318